255
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتمْ بِمُصْرِخِيَّ ... » 1 .

الأصْلُ :

۰.ومنها في صفة خلق الإنسان :أَمْ هـذَا الَّذِي أَنْشَأَهُ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْحَامِ ، وَشُغُفِ الْأَسْتَارِ ، نُطْفَةً دِهَاقا ، وَعَلَقَةً مِحَاقا ، وَجَنِينا وَرَاضِعا ، وَوَلِيدا وَيَافِعا ، ثُمَّ مَنَحَهُ قَلْبا حَافِظا ، وَلِسانا لاَفِظا ، وَبَصَرا لاَحِظا ، لِيَفْهَمَ مُعْتَبِرا ، وَيُقَصِّرَ مُزْدَجِرا ؛ حَتَّى إِذَا قَامَ اعْتِدَالُهُ ، وَاسْتَوَى مِثَالُهُ ، نَفَرَ مُسْتَكْبِرا ، وَخَبَطَ سَادِرا ، مَاتِحا فِي غَرْبِ هَوَاهُ ، كَادِحا سَعْيا لِدُنْيَاهُ ، فِي لَذَّاتِ طَرَبِهِ ، وَبَدَوَاتِ أَرَبِهِ ؛ ثُمَّ لاَ يَحْتَسِبُ رَزِيَّةً ، وَلاَ يَخْشَعُ تَقِيَّةً ؛ فَمَاتَ فِي فِتْنَتِهِ غَرِيرا ، وَعَاشَ فِي هَفْوَتِهِ يَسِيرا ، لَمْ يُفِدْ عِوَضا ، وَلَمْ يَقْضِ مُفْتَرَضا .
دَهِمَتْهُ فَجَعَاتُ الْمَنِيَّةِ فِي غُبَّرِ جِمَاحِهِ ، وَسَنَنِ مِرَاحِهِ ، فَظَلَّ سَادِرا ، وَبَاتَ سَاهِرا ، فِي غَمَرَاتِ الاْلاَمِ ، وَطَوَارِقِ الْأَوْجَاعِ وَالْأَسْقَامِ ، بَيْنَ أَخٍ شَقِيقٍ ، وَوَالِدٍ شَفِيقٍ ، وَدَاعِيَةٍ بِالْوَيْلِ جَزَعا ، وَلاَدِمَةٍ لِلصَّدْرِ قَلَقا ؛ وَالْمَرْءُ فِي سَكْرَةٍ مُلْهِثَةٍ ، وَغَمْرَةٍ كَارِثَةٍ ، وَأَنَّةٍ مُوجِعَةٍ ، وَجَذْبَةٍ مُكْرِبَةٍ ، وَسَوْقَةٍ مُتْعِبَةٍ .
ثُمَّ أُدْرِجَ فِي أَكْفَانِهِ مُبْلِسا ، وَجُذِبَ مُنْقَادا سَلِسا ، ثُمَّ أُلْقِيَ عَلَى الْأَعْوَادِ رَجِيعَ وَصَبٍ ، وَنِضْوَ سَقَمٍ ، تَحْمِلُهُ حَفَدَةُ الْوِلْدَانِ ، وَحَشَدَةُ الاْءِخْوَانِ ، إِلَى دَارِ غُرْبَتِهِ ، وَمُنْقَطَعِ زَوْرَتِهِ ، وَمُفْرَدِ وَحْشَتِهِ ؛ حَتَّى إِذَا انْصَرَفَ الْمُشَيِّعُ ، وَرَجَعَ الْمُتَفَجِّعُ ، أُقْعِدَ فِي حُفْرَتِهِ نَجِيّا لِبَهْتَةِ السُّؤَالِ ، وَعَثْرَةِ الاِمْتِحَانِ .
وَأَعْظَمُ مَا هُنَالِكَ بَلِيَّةً نُزُولُ الْحَمِيم ، وَتَصْلِيَةِ الْجَحِيمِ ، وَفَوْرَاتُ السَّعِيرِ ، وَسَوْرَاتُ الزَّفِيرِ ، لاَ فَتْرَةٌ مُرِيحَةٌ ، وَلاَ دَعَةٌ مُزِيحَةٌ ، وَلاَ قُوَّةٌ حَاجِزَةٌ ، وَلاَ مَوْتَةٌ نَاجِزَةٌ

1.سورة إبراهيم ۲۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
254

كأنه قال : « ونظرَ بين يديه متقدما لغيره وسابقا إياه إلى ذلك » . والباء في « بالجنة » و « بالنار » و « باللّه » و « بالكتاب » زائدة ، والتقدير : كفا اللّه ، وكفى الكتاب !

الأصْلُ :

۰.أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّا نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّا ، وَنَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيّا ، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى ، وَوَعَدَ فَمَنَّى ، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ ، وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ .

الشّرْحُ :

« أعْذر بما أنذر » ، ما هاهنا مصدرية ، أي أعذر بإنذاره . ويجوز أن تكونَ بمعنى « الذي » . والعدوّ المذكور : الشيطان .
وقوله : « نَفَذ في الصدور » و « نفث في الآذان » كلام صحيح بديع . وفي قوله : « نفذ في الصدور » ، مناسبة لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : « الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم » ، والنجيّ : الذي يسارّه ، والجمع الأنجية . وقد يكون النجيّ جماعة مثل الصديق ، قال اللّه تعالى : « خَلَصُوا نَجِيّا » 1 ، أي متناجين .
القرينة هاهنا : الإنسان الذي قارنه الشيطان ، ولفظه لفظ التأنيث ؛ وهو مذكّر ، أراد القرين ، قال تعالى : « فَبِئْسَ الْقَرِينُ » 2 ، ويجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس ، ويكون الضمير عائدا إلى غير مذكور لفظا لما دلّ المعنى عليه ؛ لأنّ قوله : « فأضل وأردى ، ووعد فمنّى » معناه أضلّ الإنسان وأردى ، ووعده فمنّى ، فالمفعول محذوف لفظا ؛ وإليه رجع الضمير على هذا الوجه ؛ ويقال : غَلِق الرّهن إذا لم يفتَكّه الراهن في الوقت المشروط ، فاستحقّه المرتهن . وهذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى : « وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللّهَ

1.سورة يوسف ۸۰ .

2.سورة الزخرف ۳۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95651
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي