261
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

فأمّا ما كان يقوله عمرو بن العاص في علي عليه السلام لأهل الشام : « إنّ فيه دُعابة » يروم أن يعيبه بذلك عندهم ؛ فأصل ذلك كلمة قالها عمر ، فتلقّفها حتى جعلها أعداؤه عيبا له وطعنا عليه . وأنت إذا تأملت حال علي عليه السلام في أيام رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدعابة والمزاح ؛ لأ نّه لم ينقل عنه شيء من ذلك أصلاً ، لا في كتب الشيعة ولا في كتب المحدّثين ، وكذلك إذا تأملت حاله في أيام الخليفتين أبي بكر وعمر ، لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلّق به متعلّق في دُعابته ومزاحه . والحال في أيام عثمان وأيام ولايته عليه السلام الأمر كالحال فيما تقدّم . ولعمر اللّه كان أبعد الناس من ذلك ، وأي وقت كان يتّسع لعلي عليه السلام حتى يكون فيه على هذه الصفات .

84

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ : الْأَوَّلُ لاَ شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَالآخِرُ لاَ غَايَةَ لَهُ ، لاَ تَقَعُ الْأَوْهَامُ لَهُ عَلى صِفَةٍ ، وَلاَ تُعْقَدُ الْقُلُوبُ مِنْهُ عَلَى كَيْفِيَّةٍ ، وَلاَ تَنَالُهُ التَّجْزِءَةُ وَالتَّبْعِيضُ ، وَلاَ تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ وَالْقُلُوبُ .

الشّرْحُ :

في هذا الفصل على قصره ثماني مسائل من مسائل التوحيد :
الأُولى : أ نّه لا ثانيَ له سبحانه في الإلهية .
والثانية : أنه قديم لا أوّل له . فإن قلت : ليس يدلُّ كلامه على القدم ، قلت : إذا كان محدَثا كان له محدِث ؛ فكان ذلك المحدث قبله ، فثبت أنه متى صدق أنه ليس شيء قبله صدق كونه قديما .
والثالثة : أنه أبدِيٌّ لا انتهاء ولا انقضاء لذاته .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
260

أَمَا وَاللّهِ لَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّعِبِ ذِكْرُ الْمَوْتِ ، وَإِنَّهُ لَيَمْنَعُهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ نِسْيَانُ الآخِرَةِ ، إِنَّهُ لَمْ يُبَايِعْ مُعَاوِيَةَ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَهُ أَتِيَّةً ، وَيَرْضَخَ لَهُ عَلى تَرْكِ الدِّينِ رَضِيخَةً ۱ .

الشّرْحُ :

الدّعابة : المُزاح ، دَعَب الرجل ، بالفتح . ورجل تِلْعابة ، بكسر التاء : كثير اللعب ، والتَّلْعاب ، بالفتح : مصدر « لعب » . والمعافسة : المعالجة والمصارعة ، ومنه الحديث : « عَافَسْنَا النساء » . والممارسة نحوه .
يقول عليه السلام : إن عَمْرا يقدح فيَّ عند أهل الشام بالدُّعابة واللعب ، وأني كثير الممازحة ، حتى أني أُلاعب النساء وأغازلهنّ ، فعلَ المترَف الفارغ القلب ، الذي تتقضّى أوقاته بملاذّ نفسه . ويُلحِف : يلجّ في السؤال ؛ قال تعالى : « لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحافا »۲ ؛ ومنه المثل : « ليس للملحِف مِثل الرّدّ » . والإلّ : العهد ، ولمّا اختلف اللفظان حَسُن التقسيم بهما ، وإن كان المعنى واحدا .
ومعنى قوله : « ما لم تأخذ السيوف مآخذها » ؛ أي ما لم تبلغ الحرب إلى أن تخالط الرؤوس ، أي هو مليء بالتَّحريض والإغراء قبل أن تلتحِم الحرب ، فإذا التحمت واشتدّت فلا يمكث ، وفعل فَعلته التي فعل . والسَّبَّة : الاست ، وسبّه يَسُبُّهُ : طعنه في السبَّة . ويجوز رفع « أكبر » ونصبه ، فإن رفعتَ فهو الاسم ، وإن نصبتَ فهو الخبر . والأتيّة : العطية ، والإيتاء : الإعطاء . ورضخ له رضخا : أعطاه عطاء بالكثير ، وهي الرّضيخة ؛ لما يعطَى .

1.النابغة : هي سلمى بنت حرملة تلقب بالنابغة ، أُم عمرو بن العاص ، كانت أمة لرجل من عَنَزة ، فسبيت ، فاشتراها عبد اللّه بن جدعان بمكة ، ثمّ أعتقها ، فوقع عليها أبو لهب ، وأُميّة بن خلف ، وهشام بن المغيرة ، وأبو سفيان ، والعاص بن وائل ، فولدت عمرا ، فادعاه كلهم ، ولكنّ امّه اختارت العاص ؛ لأ نّه كان ينفق عليها كثيرا ، وكان عمرو أشبه بأبي سفيان . انظر : الاستيعاب : ص۱۱۸۴ .

2.سورة البقرة ۲۷۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95561
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي