321
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

اللَّهُمَّ وَهذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ ، وَلَمْ يَرَ مُستَحِقّاً لِهذِهِ المَحَامِدِ وَالْمَمادِحِ غَيْرَكَ؛ وَبِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لاَ يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلاَّ فَضْلُكَ ، وَلاَ يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلاَّ مَنُّكَ وَجُودُكَ ، فَهَبْ لَنَا فِي هذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ ، وَأَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ؛ إِنِّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

الشّرْحُ :

التعداد : مصدر . وخَيْر : خبر مبتدأ محذوف ، تقديره : فأنت خير مأمول .
ومعنى قوله : « قد بسطت لي » ، أي قد آتيتني لسَنا وفصاحة وسعة منطق ، فلا أمدحُ غيرَك ، ولا أحمَدُ سواك . ويعنى بمعادن الخيبة البشر ؛ لأنّ مادحهم ومؤمّلهم يخيب في الأكثر ، وجعلهم مواضع الريبة ؛ لأ نّه لا يوثق بهم في حال .
ومعنى قوله عليه السلام : « وقد رجوتك دليلاً على ذخائر الرحمة وكنوز المغفرة » ، أ نّه راجٍ منه أن يدلّه على الأعمال التي ترضيه سبحانه ، ويستوجب بها منه الرحمة والمغفرة ؛ وكأنّه جعل تلك الأعمال التي يرجو أن يدلّ عليها ذخائر للرحمة وكنوزا . والفاقة : الفقر ؛ وكذلك المسكنة . وينعَش ، بالفتح : يرفع ، والماضي نَعش ، ومنه النعْش لارتفاعه . والمنّ : العطاء والنعمة ، والمنّان من أسماء اللّه سبحانه .

91

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لمّا أراده الناس على البيعة بعد قتل عثماندَعُوني وَالتمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَألوَانٌ؛ لاَ تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ ، وَلاَ تَثبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ . وَإِنَّ الآفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ ، وَالْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ .
وَاعْلَمُوا أنّي إنْ أَجَبتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ ، وَلَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَعَتْبِ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
320

المثقال وزن كلّ شيء ، قال تعالى : « إنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ »۱ . وهماهم كلِّ نفس هامّة ، الهماهِم : جمع هَمْهمة ، وهي ترديد الصوت في الصَّدْر ، وحمار هِمْهيم : يهمْهِم في صوته ، وهمهمت المرأة في رأس الصبيّ ، وذلك إذا نوّمتْه بصوت ترقّقه له . والنفس الهامّة : ذات الهمّة التي تعزم على الأمر .
قوله : « وما عليها » أي ما على الأرض ، فجاء بالضمير ولم يسبق ذكر صاحبه ، اعتماداً على فهم المخاطب ، كما قال تعالى : « كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ »۲ . وقرارة النطفة : ما يستقِرّ فيه الماء من الأماكن . والنطفة : الماء نفسه ، ومنه قوله عليه السلام في الخوارج : إن مَصارعهم دون النطفة ، أي لا يعبرُون النهر ، ويجوز أن يريد بالنطفة المَنيّ ، ويقوّيه ما ذكره بعده من المُضْغة . والنُّقاعة : نُقْرة يجتمع فيها الدم ، ومثله أُنْقُوعة ، ويقال لوقْبَة الثّريد أُنقوعة . والمضغة : قطعة اللّحم . والسلالة في الأصل : ما استلّ من الشيء ، وسميت النطفة سلالة الإنسان ؛ لأنها استلّتْ منه ، وكذلك الولد . والكلّفة : المشقّة . واعتورته مثل عرته . ونفذهم علمه ، تشبيه بنفوذ السهم ، وعدّى الفعل بنفسه وإن كان معدّىً في الأصل بحرف الجر ، كقولك : اخترت الرجال زيداً ، أي من الرجال ، كأنه جعل علمه تعالى خارقا لهم ونافذا فيهم . ويروى : « وأحصاهم عَدّه » ، بالتضعيف .

الأصْلُ :

۰.اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ ، وَالتَّعْدَادِ الْكَثِيرِ ، إِنْ تُؤمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُولٍ ، وَإِنْ تُرْجَ فأكْرَمُ مَرْجُوٍّ . اللَّهُمَّ وَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيَما لاَ أَمْدَحُ بِهِ غَيْرَكَ ، وَلاَ اُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَدٍ سِوَاكَ ، وَلاَ أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَمَوَاضِعِ الرَّيبَةِ ، وَعَدَلْتَ بِلِسَاني عَنْ مَدَائِحِ الآدمِيِّينَ؛ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ . اللَّهُمَّ وَلِكُلِّ مُثْنٍ عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاءٍ ، أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاءٍ؛ وَقَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلاً عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَكُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ .

1.سورة النساء ۴۰ .

2.سورة الرحمن ۲۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95569
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي