357
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الشّرْحُ :

معنى كون النبي صلى الله عليه و آله وسلم شهيداً ، أ نّه يشهد على الأُمّة بما فعلته من طاعة وعصيان . أنجبها : أكرمها ، ورجل نجيب ، أي كريم بَيّن النجابة ، والنُّجبة مثل الهُمَزة ، ويقال هو نُجْبَة القوم ؛ أي النجيب منهم ، وأنجب الرجل ، أي ولد ولداً نجيباً ، وامرأة منجبة ومِنْجاب ، تلد النُّجَباء ، ونسوة مناجيب . والشيمة : الخُلق . والديمة : مطر يدوم . والمستمطرون : المستَجْدَوْنَ والمستماحون . واحلولت : حلَت . والأخْلاَف للناقة ، بمنزلة الأطْبَاء للكلبة ، واحدها خِلْف بالكسر ، وهو حَلَمة الضَّرْع . والخِطام : زمام الناقة ، خطمتُ البعير زممته ، وناقة مخطومة ، ونوق مخطمة . والوضين للهودج ؛ بمنزلة البِطَان للقَتَب ، والتّصدير للرحْل ، والحِزام للسرْج ؛ وهو سُيور تنسَج مضاعفة بعضها على بعض ، يشدّ بها الهوْدج منه إلى بطن البعير ، والجمع وُضُن . والمخضود : الذي خُضِد شوكه ، أي قطع . وشاغرة : خالية ، شَغَر المكان ، أي خلا ، وبلدة شاغرة ، إذا لم تمتنع من غارة أحد . والثائر : طالب الثأر ، لا يبقي على شيء حتى يدرك أثره .
يقول عليه السلام مخاطباً لمن في عصره من بقايا الصحابة ولغيرهم من التابعين ، الذين لم يدركوا عَصْر رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : إن اللّه بعثَ محمدا ، وهو أكرم الناس شيمة ، وأنداهم يداً ، وخيرهم طفلاً ، وأنجبَهم كَهْلاً ، فصانه اللّه تعالى في أيام حياته عن أن يفتح عليه الدنيا ، وأكرمه عن ذلك فلم تُفْتَح عليكم البلاد ، ولا دَرّت عليكم الأموال ، ولا أقبلت الدنيا نحوكم ؛ وما دالت الدولة لكم إلاّ بعده ، فتمكّنتم من أُكُلها والتمتع بها ، كما يتمكّن الحالب من احتلاب الناقة فيحلبها ، وحلت لذّاتها لكم ، واستطبتم العيشة ، ووجدتموها حُلْوة خضرة .
ثم ذكر أنّهم صادفوها ـ يعني الدنيا ـ وقد صَعُبت على مَنْ يليها ولاية حقّ ، كما تستصعبُ الناقة على راكبها إذا كانت جائلة الخِطام ، ليس زمامها بممكّن راكبها من نفسه ، قلقَة الوضين ، لا يثبت هودجُها تحت الراكب ، حرامها سهل التناول على من يريده ، كالسِّدْر الذي خُضِد عنه شوكه ، فصار ناعما أملس ، وحلالها غير موجود لغلبة الحرام عليه ، وكونه صار مغموراً مستهلكا بالنسبة إليه ، وهذا إشارة إلى ما كان يقوله دائما من استبداد الخلفاء قبله دونه بالأمر ، وأنه كان الأولى والأحقّ .
ثم ذكر عليه السلام أنّ الدنيا فانية ، وأنها ظِلٌّ ممدود إلى أجل معدود . ثم ذكر أنّ الأرض بهؤلاء السكان فيها صورة خالية من معنى . ثم أعاد الشكوى والتألم فقال : أيديكم في الدنيا


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
356

ويجوز أن يعودَ هذا الضمير الثاني إلى المذكور الأول وهو الجاهلية ، أي ولّت بحذافيرها واجتمعت كلُّها تحت ذلّ المقادة .
ثم أقسم أ نّه ما ضعف يومئذٍ ولا وَهَن ولا جَبُن ولا خان ؛ وليبقرنّ الباطل الآن حتى يخرج الحقّ من خاصرته ، كأنّه جعل الباطل كالشيء المشتمل على الحق غالباً عليه ، ومحيطاً به ، فإذا بُقِر ، ظهر الحق الكامن فيه ، وقد تقدم منّا شرح ذلك .

104

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامحَتَّى بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآله شَهِيداً ، وَبَشِيراً ، وَنَذِيراً ، خَيْرَ الْبَرِيَّةِ طِفْلاً ، وَأَنْجَبَهَا كَهْلاً ، وَأَطْهَرَ الْمُطَهَّرِينَ شِيمَةً وَأَجْوَدَ الْمُسْتَمْطَرِينَ دِيمَةً . فَمَا احْلَوْلَتْ لَكُمُ الدُّنْيَا فِي لَذَّتِهَا ، وَلاَ تَمَكَّنْتُمْ مِنْ رَضَاعِ أَخْلاَفِهَا إِلاَّ مِنْ بَعْدِه صَادَفْتُمُوهَا جَائِلاً خِطَامُهَا ، قَلِقاً وَضِينُهَا ، قَدْ صَارَ حَرَامُهَا عِنْدَ أَقْوَامٍ بِمَنْزِلَةِ السِّدْر المَخْضُودِ ، وَحَلاَلُهَا بَعِيداً غَيْرَ مَوْجُودٍ ، وَصَادَفْتُمُوهَا ، وَاللّهِ ، ظِلاًّ مَمْدُوداً إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودٍ .
فَالْأَرْضُ لَكُمْ شَاغِرَةٌ ، وَأَيْدِيكُمْ فِيهَا مَبْسُوطَةٌ؛ وَأَيْدِي الْقَادَةِ عَنْكُمْ مَكْفُوفَةٌ ، وَسُيُوفُكُمْ عَلَيْهِمْ مَسَلَّطَةٌ ، وَسُيُوفُهُمْ عَنْكُمْ مَقْبُوضَةٌ .
أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ دَمٍ ثَائِراً ، وَلِكُلِّ حَقٍّ طَالِباً . وَإِنَّ الثَّائِرَ فِي دِمَائِنَا كَالْحَاكِمِ في حَقِّ نَفْسِهِ ، وَهُوَ اللّهُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُهُ مَنْ طَلَبَ ، وَلاَ يَفُوتُهُ مَنْ هَرَبَ . فَأُقْسِمُ باللّه ، يَا بَنِي أُمَيِّةَ ، عَمَّا قَلِيلٍ لَتَعْرِفُنَّهَا فِي أَيْدِي غَيْرِكُمْ وَفِي دَارِ عَدُوِّكُمْ !

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95587
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي