383
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قوله عليه السلام : « نحن شجرة النبوّة » ۱ ، كأنه جعل النبوة كثمرة أخرجتها شجرة بني هاشم . ومحطّ الرسالة : منزلها . ومختلف الملائكة : موضع اختلافها في صعودها ونزولها .
واعلم أنه إن أراد بقوله : « نحن مختلف الملائكة » جماعة من جملتها رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فلا ريب في صحة القضية وصدْقها ، وإن أراد بها نفسَه وابنيْه فهي أيضا صحيحة ؛ ولكن مدلوله مستَنبَط ، فقد جاء في الأخبار الصحيحة ، أنه قال : « يا جبريل ، إنه منّي وأنا منه » ، فقال جبريل : وأنا منكما ۲ . وروى أبو أيوب الأنصاريّ عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « لقد صلّت الملائكة عليّ وعلى عليّ سبع سنين لم تصلّ على ثالث لنا » ۳ ؛ وذلك قبل أن يظهر أمرُ الإسلام ويتسامع الناس به .
وفي خطبة الحسن بن علي عليه السلام لما قُبض أبوه : « لقد فارقكُم في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأولون ولا يدركه الآخرون، كان يبعثه رسول اللّه 6 للحرب وجبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره » ۴ .
وجاء في الحديث أنه سُمِع يوم أُحُد صوتٌ من الهواء من جهة السماء ، يقول : « لا سيف إلاّ ذو الفقار ، ولا فتى إلاّ عليّ » ، وأنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال : « هذا صوت جبريل » ۵ .
فأمّا قوله : « ومعادن العلم ، وينابيع الحُكْم » يعني الحكمة أو الحكم الشرعيّ ، فإنه وإن عَنَى بها نفسه وذريّته ، فإن الأمر فيها ظاهر جدّا ، قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب » ۶ ، وقال : « أقضاكم عليّ » ۷ والقضاء أمر

1.والإمام عليه السلام لم يكن نبيّا لكنه بمنزلة نفس النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، حيث قال تعالى : « وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ» [آل عمران / ۶۱] مريدا لهما . وقال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « أنا وعلي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى » أخرجه ابن عساكر بطرق في ترجمة الامام علي عليه السلام ۱ : ۱۴۲ ـ ۱۴۷ ح ۱۷۸ ـ ۱۸۱ ، المناقب لأخطب خطباء خوارزم: ص ۱۴۳ ح ۱۶۵ الفصل الرابع عشر ، والديلمي في الفردوس بمأثور الخطاب ۱ : ۴۴ ح ۱۰۹ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ۱۱ : ۶۰۸ ح۳۲۹۴۳ .

2.الاحتجاج : ۱ / ۱۵۷ ، المناقب لابن شهرآشوب : ۲ / ۱۲۴ ، نظم درر السمطين : ۱۲۰ .

3.كنز الفوائد : ۱ / ۲۷۲ ، المناقب لابن شهر آشوب : ۲ / ۱۶ ، نظم درر السمطين : ۸۳ .

4.أخرجه أحمد في مسنده ۱ : ۳۲۸ ح۱۷۲۱ ، والنسائي في الخصائص : ص۶۰ ، والطبري في تاريخه ۴ : ۱۲۰ ، البداية والنهاية لابن كثير ۷ : ۳۶۸ حوادث سنة ۴۰ ه ، المعجم الأوسط للطبراني ۳ : ۸۸۸ ح۱۲۷۶ .

5.أخرجه ابن هشام فيالسيرة ۳ : ۴۳ ، وفرات الكوفي في تفسيره : ص۲۵ ، فضائل الصحابة لأحمد ابن حنبل ۲ : ۶۵۷ الرقم ۱۱۱۹ ، ذخائر العقبى :ص۶۸ ، المعجم الكبير للطبراني ۱ : ۲۹۷ ح۹۴۱ ترجمة أبي رافع وآخرون .

6.المستدرك على الصحيحين ۳ : ۱۳۷ ح۴۶۳۷ ـ ۴۶۳۹ بعدة طرق ، تهذيب الآثار للطبري : ص۱۰۵ رقم ۱۷۳ من مسند عليّ عليه السلام ، فضائل عليّ لأحمد ابن حنبل : ص۱۳۸ ح۲۰۳ ، المقاصد الحسنة للسخاوي : ص۱۲۳ ح۱۸۹ ، معرفة الصحابة لأبي نعيم ۱ : ۳۰۸ .

7.الاستيعاب : القسم الثالث /۱۱۰۲ ، المواقف للقاضي الإيجي : ص۴۱۱ ، كفاية الشنقيطي : ص۴۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
382

وَبَسَطَهَا لِغَيْرِهِ احْتِقَاراً ، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وَأَمَاتَ ذِكْرَهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَأَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ ، لِكَيْلاَ يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً ، أَوْ يَرْجُوَ فِيهَا مَقَاماً . بَلَّغَ عَنْ رَبِّهِ مُعْذِراً ، وَنَصَحَ لِأُمَّتِهِ مُنْذِراً ، وَدَعَا إِلَى الْجَنَّةِ مُبَشِّراً وَخَوَّفَ مِنَ النَّارِ مُحَذِّراً .

الشّرْحُ :

فَعّل مشدّد ، للتكثير ، « قتّلت » أكثر من « قَتَلْت » ، فيقتضي قوله عليه السلام : « قد حقّر الدنيا » زيادة تحقير النبي صلى الله عليه و آله وسلم لها ، وذلك أبلغ في الثناء عليه وتقريظه .
قوله : « وَصَغّرها » ، أي وصغّرها عند غيره ؛ ليكون قوله : « وأَهْوَنَ بها وهوّنها » مطابقا له ، أي أهون هو بها وهَوّنها عند غيره . وزواها : قبضها ، قال عليه الصلاة والسلام : « زُوِيَتْ لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها » ۱ . وقوله : « اختيارا » ، أي قبض الدّنيا عنه باختيار ورضا من النبي صلى الله عليه و آله وسلم بذلك ، وعلمٍ بما فيه من رفعة قدره ، ومنزلته في الآخرة .
« والرياش والريش » بمعنى ، وهو اللباس الفاخر ، كالحرم والحرام ، واللّبس واللباس ، وقرئ « ريشاً ورياشاً » « وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ »۲ ، ويقال : الريش والرياش : المال والخِصْب والمعاش ، وارتاش فلان : حسنت حاله . ومعذراً : أي مبالغا ، أعذر فلان في الأمر ، أي بالغ فيه .

الأصْلُ :

۰.نَحْنُ شَجَرَةُ النّبُوَّةِ ، وَمَحَطُّ الرِّسَالَةِ ، وَمُخْتَلَفُ الْمَلاَئِكَةِ ، وَمَعَادِنُ الْعِلْمِ ، وَيَنَابِيعُ الْحُكْمِ ، نَاصِرُنا وَمُحِبُّنَا يَنْتَظِرُ الرَّحْمَةَ ، وَعَدُوُّنا وَمُبْغِضُنَا يَنْتَظِرُ السَّطْوَةَ .

الشّرْحُ :

هذا الكلام غير ملتصِق بالأول كلّ الالتصاق، وهو من الَّنمَط الذي ذكرناه مرارا؛ لأنَ الرضيّ رحمه اللهيقتضب فصولاً من خطبة طويلة، فيوردها إيرادا واحداً ، وبعضها منقطع عن البعض .

1.مسند أحمد ابن حنبل ۶ : ۳۷۴ ح۲۱۸۸۹ ، صحيح مسلم ۵ : ۴۰۹ ح۲۸۸۹ ، سنن ابن ماجه ۲ : ۱۳۰۴ ح۳۹۵۲ ، مسند الشاميين للطبراني ۴ : ۴۵ ح۲۹۶۰ ، البداية والنهاية لابن كثير ۶ : ۲۹۶ تحقيق علي شيري .

2.سورة الأعراف ۲۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95609
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي