397
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وتفرّقوا باعتبار أمر خارجيّ عن ذلك؛ وهو خبْث سرائرهم وسوء ضمائرهم، فصاروا إلى حالٍ لا يتوازرون، أي لا يتعاونون ، والأصل الهمز ، آزرته ، ثم تقلب الهمزة واواً، وأصل قوله : « فلا توازرون » « فلا تَتَوازرون » فحذفت إحدى التاءين ، كقوله تعالى : «مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ»۱ ، أي لا تتناصرون ، والتبادل : أن يجودَ بعضهم على بعض بماله ويبذله له .
ومثل قوله عليه السلام « ما بالكم تفرحون بكذا ، ولا تحزنون لكذا ، ويقلقكم اليسير من الدنيا يفوتكم » من هذا قول الرضي رحمه الله ۲ :

نَقْصُ الجديديْن من عمري يزيدُ علىما ينقصان على الأيام من مالِي
دهْرٌ تؤثّر في جسمي نوائبهفما اهتماميَ أنْ أودَى بسربالي
والضمير في « يخافُ » راجع إلى الأخ لا إلى المستقبل له ، أي ما يخافه الأخ من مواجهته بعينه .
قوله : « وصارَ دينُ أحدكم لُعْقةً على لسانه » أخذه الفرزدق ، فقال للحسين بن علي عليه السلام وقد لقيَه قادماً إلى العراق ، وسأله عن الناس : أمّا قلوبهُم فمعك ، وأمّا سيوفهم فعليك ، والدين لُعْقَةٌ على ألسنتهم ، فإذا امتحصوا قلّ الديّانون ۳ . واللفظة مجاز ، وأصل اللُّعقة شيء قليل يُؤخذ بالمِلْعقة من الإناء ، يصف دينهم بالنَّزَارة والقِلّة كتلك اللعقة ؛ ولم يقنع بأن جعله لُعقة حتى جعله على ألسنتهم فقط ، أي ليس في قلوبهم .

113

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الوَاصِلِ الْحَمْدَ بِالنِّعَمِ وَالنِّعَمَ بِالشُّكْرِ . نَحْمَدُهُ عَلَى آلاَئِهِ ، كَمَا نَحْمَدُهُ

1.سورة الصافات ۲۵ .

2.ديوانه ، لوحة ۱۵۰ ، من قصيدة يرثي فيها صديقا له .

3.أقول : وفي مقتل الحسين للخوارزمي ۱ : ۲۳۷ ، والبحار للمجلسي ۱۰ : ۱۹۸ ، لما نزل الحسين عليه السلام كربلاء في الثاني من المحرّم سنة احدى وستين ، فأقبل على أصحابه فقال : « الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم ، فإذا محّصوا بالبلاء قلّ الديّانون » .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
396

عَلَى رَفْضِ الآجِلِ وَحُبِّ الْعَاجِلِ ، وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ ، صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ ، وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « فإنها منزل قُلْعة » بضم القاف وسكون اللام ، أي ليست بمستوطنة . ويقال : هذا مجلس قُلْعة ، إذا كان صاحبهُ يحتاج إلى أن يقوم مرة بعد مرة . ويقال : هم على قُلْعة ، أي على رحلة ، والقلعة أيضا : المال العاريّة ، وفي الحديث : « بئس المال القلعة » . والنّجْعة : طلب الكلإ في موضعه ، وفلان ينتجع الكلأ ، ومنه انتجعت فلاناً ، إذا أتيته تطلب معروفه .
ثم وصف هوان الدنيا على اللّه تعالى ، فقال : « من هوانها أ نّه خَلَط حلالها بحرامها ... » الكلام ، مراده تفضيل الدار الآتية على هذه الحاضرة ، فإنّ تلك صفو كلّها وخير كلّها ، وهذه مشوبة ، والكَدَر والشرّ فيها أغلب من الصَّفْوِ والخير . ويروى : « ولم يضنّ بها على أعدائه » ، والرواية المشهورة « عن أعدائه » ، وكلاهما مستعمل . والزهيد : القليل . والعتيد : الحاضر . والسيْر : سير المسافر .
ثم أمرهم بأنْ يجعلوا الفرائض الواجبة عليهم من جُملة مطلوباتهم، وأن يسألوا اللّه من الإعانة والتوفيق على القيام بحقوقه الواجبة ، كما سألهم، أي كما ألزمهم وافترض عليهم، فسمَّى ذلك سؤالاً لأجل المقابلة بين اللفظين ، كما قال سبحانه : « وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا »۱ ، وكما قال النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « فإنّ اللّه لا يَمَلّ حتى تَمَلُّوا » .
ثم أمرهم أن يُسمعوا أنفسهم دعوة الموت قبل أن يحضر الموت ، فيَحلّ بهم . ومثل قوله : « تبكي قلوبهم وإن ضحكوا » قول الشاعر ، وإن لم يكن هذا المقصِد بعينه قَصَد :

كَمْ فَاقَةٍ مستورةٍ بمروءةوضرورةٍ قد غُطّيَتْ بتجمُّلِ
ومن ابتسامٍ تحته قلبٌ شجٍقد خامرتْه لوعةٌ ما تنْجَلِي
والمقت : البغض . واغتبطوا : فرحوا . وقوله : « أملَك بكم » مثل « أوْلى بكم » . وقوله : « والعاجلة أذهب بكم من الآجلة » ، أي ذهبت العاجلةُ بكم واستولت عليكم أكثرَ مما ذهبت بكم الآخرة ، واستولت عليكم .
ثمّ ذكر أن الناس كلهم مخلوقون على فِطْرَة واحدة، وهي دين اللّه وتوحيده؛ وإنما اختلفوا

1.سورة الشورى ۴۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95562
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي