425
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

حِفَافَيْهَا ، وَوَرَاءَهَا ، وَأَمَامَهَا؛ لاَ يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا ، وَلاَ يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا .

الشّرْحُ :

الدارع : لابس الدِّرْع ، والحاسر : الذي لا دِرْع عليه ولا مِغْفَر . أمرَهم عليه السلام بتقديم المستلئِم على غير المستلئِم ؛ لأنّ سوْرة الحرب وشدّتها تلقي وتصادف الأوّل فالأوّل ؛ فواجب أن يكون أوّل القوم مستلئماً ، وأن يعضّوا على الأضراس ، وقد تقدم شرح هذا ، وقلنا : إنه يجوز أن يبدَؤوهم بالحنَق والجدّ ، ويجوز أن يريد أنّ العضّ على الأضراس يشدّ شؤون الدماغ ورباطته ، فلا يبلغ السيف منه مبلغه لو صادفه رِخْوا . وأمرهم بأن يلتووا إذا طعنوا ؛ لأنهم إذا فعلوا ذلك ، فبالحرَي أن يمورَ السِّنان ، أيْ يتحرّك عن موضع الطعنة ، فيخرج زالقاً ، وإذا لم يلتووا لم يمرّ السّنان ، ولم يتحرّك عن موضعه فيخرق وينفذ ، فيقتل .
وأمرهم بغضّ الأبصار في الحرب ، فإنه أربَطُ للجأش ، أي أثبت للقلب ؛ لأنّ الغاضّ بصرَه في الحرب أحْرَى ألاّ يدهش ولا يرتاع لهوْل ما ينظر .
وأمرهم بإماتة الأصوات وإخفائها ، فإنه أطرد للفشل ، وهو الجبن والخوف ؛ وذلك لأنّ الجبان يرعد ويبرُق ، والشجاع صامت .
وأمرهم بحفظ رايتهم ألاّ يميلوها ، فإنّها إذا مالت انكسر العسكر ؛ لأنهم إنما ينظرون إليها وألاّ يُخلُّوها من محامٍ عنها ، وألاّ يجعلوها بأيدي الجبناء وذوي الهَلع منهم ، كي لا يَخِيموا ويجبنوا عن إمساكها .
والذِّمار : ما وراء الرجل مما يحقّ عليه أن يحميَه ، وسمّي ذِماراً ؛ لأ نّه يجب على أهله التذمّر له ، أي الغضب . والحقائق : جمع حاقّة ؛ وهي الأمر الصعب الشديد ؛ ومنه قول اللّه تعالى : « الحاقّة ما الحاقّة » ، يعني الساعة . ويكتنفونها : يحيطون بها . وحِفَافيْها : جانباها .

الأصْلُ :

۰.أَجْزَأَ امْرُؤ قِرْنَهُ ، وَآسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ ، وَلَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَقِرْنُ أَخِيهِ . وَايْمُ اللّه لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ ، لاَ تَسْلَمُوا مِنْ سَيْفِ الآخِرَةِ ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
424

يقرّع عليه السلام أصحابه بالجبن والفشل ، ويقول لهم : لكأنّي أنظر إليكم وأصواتكم غمغمة بينكم من الهلع الذي قد اعتراكم ، فهي أشبه شيء بأصوات الضِّباب المجتمعة . ثم أكَّد وصف جبنهم حقاً وخوفهم ، فقال : لا تأخذون حقا ، ولا تمنعون ضيماً ، وهذه غاية ما يكون من الذلّ .
ثم ترك هذا الكلام وابتدأ فقال : قد خلِّيتم وطريق النجاة عند الحرب ، ودللتم عليها ، وهي أن تقتحموا وتلحجوا ، ولا تهنوا ؛ فإنكم مَتَى فعلتم ذلك نجوْتم ، ومتى تلوّمتم وتثبطتم وأحجمتم هلكتم ، ومن هذا المعنى قول الشاعر :

تأخرْتُ أسْتَبْقي الحياةَ فلم أجِدْلِنَفْسِي حَيَاةً مثل أن أتقدّما۱
ولهذا المعنى الذي أشار إليه عليه السلام سبب معقول ؛ وهو أنّ المقدّم على خصمه يرتاع له خصمه ، وتنخذل عنه نفسه ، فتكون النجاة والظفر للمقدّم ؛ وأما المتلوّم عن خصمه ، المحجم المتهيّب له ، فإن نفس خصمه تقوى عليه ، ويزداد طمعه فيه ، فيكون الظفر له ، ويكون العطب والهلاك للمتلوّم الهائب .

124

الأصْلُ :

1.للحصين بن الحمام المري ، ديوان الحماسة ـ بشرح التبريزي ۱ : ۱۹۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95535
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي