435
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وحده كفاية . قوله عليه السلام : « والزموا السَّوَاد الأعظم » ، وهو الجماعة ، وقد جاء في الخبر عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم هذه اللفظة التي ذكرها عليه السلام ، وهي : « يد اللّه على الجماعة ولا يبالَى بشذوذِ مَنْ شذّ » . والأخبار في هذا المعنى كثيرة جداً .
ثم قال عليه السلام : « مَنْ دعا إلى هذا الشعار فاقتلوه » ، يعني شعار الخوارج ، وكان شعارهم أنّهم يحلِقُون وسط رؤوسهم ويبقى الشعر مستديرا حوله كالإكليل . قال : « ولو كان تحت عمامتي هذه » ، أي لو اعتصم واحتمى بأعظم الأشياء حُرْمة ، فلا تكفّوا عن قتله .
ثم ذكر أ نّه إنما حُكِّم الحكمان ليُحييا ما أحياه القرآن ، أي ليجتمعا على ما شهد القرآن باستصوابه واستصلاحه ، ويميتا ما أماته القرآن ، أي ليفترقا ويصدَّا وينكلا عَمّا كرهه القرآن ، وشهد بضلاله . والبُجْر ، بضم الباء : الشرُّ العظيم . ولا خَتَلْتُكم ، أي خدعتكم ، خَتَلَهُ وخاتله ، أي خدعه ، والتخاتل : التخادع . ولا لبَّسته عليكم ، أي جعلته مشتبهاً ملتبساً ، ألبستُ عليهم الأمر ألبِسه بالكسر . والملأ : الجماعة من الناس . والصَّمْد : القصد . قال : سبق شرطُنا سوءَ رأيهما ؛ لأنا اشترطنا عليهما في كتاب الحكومة ما لا مضرّة علينا ، مع تأمّله فيما فعلاه من اتّباع الهوى وترك النصيحة للمسلمين .

128

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام فيما يخبر به عن الملاحم بالبصرةيَا أَحْنَفُ ۱ ، كَأ نِّي بِهِ وَقَدْ سَارَ بِالْجَيْش الَّذِي لاَ يَكُونُ لَهُ غُبارٌ وَلاَ لَجَبٌ ،

1.هو الأحنف بن قيس السعدي التميمي ، واسمه الضحّاك كان من سادة التابعين لرجاحة عقله وحسن تدبيره وسيرته ومن أشد المناصرين للإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، بعث رسالة إلى الإمام عليه السلام يوم الجمل : « اِن شئت أتيتك في مئتي مقاتل من أهل بيتي ، وإن شئت كففت عنك أربعة آلاف سيف » ، فأجابه الإمام عليه السلام : « بل كفّ عني أربعة آلاف سيف » . وحارب معه في صفين وأخلص . توفي سنة ۶۷ ه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
434

اتَّبَعْنَاهُم ، وَإِنْ جَرَّهُمْ إِلَيْنَا اتَّبَعُونَا . فَلَمْ آتِ ـ لاَ أَبَا لَكُمْ ـ بُجْراً ، وَلاَ خَتَلْتُكُمْ عَنْ أَمْرِكُمْ ، وَلاَ لبَّسْتُهُ عَلَيْكُمْ . إِنَّمَا اجْتَمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى اخْتِيَارِ رَجُلَيْنِ ، أَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَلاَّ يَتَعَدَّيَا الْقُرْآنَ ، فَتَاهَا عَنْهُ ، وَتَرَكَا الْحَقَّ وَهُمَا يُبْصِرَانِهِ ، وَكَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا فَمَضَيَا عَلَيْهِ . وَقَدْ سَبَقَ استِثْنَاؤنَا عَلَيْهِمَا ـ فِي الْحُكُومَةِ بِالْعَدْلِ ، وَالصَّمْدِ لِلْحَقِّ ـ سُوءَ رَأْيِهِمَا ، وَجَوْرَ حُكْمِهِمَا.

الشّرْحُ :

ليس لقائل أن يقول له عليه السلام معتذرا عن الخوارج : إنّهم إنّما ظلّلوا عامّة أُمّة محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، وحكَموا بخطئِهِم وكفرِهم وقتلهم بالسيف خبطا ؛ لأنهم وافقوك في تصويب التحكيم ، وهو عندهم كفر ، فَلِمَ يؤاخذوهم بذنبك كما قلت لهم ؟ وذلك لأنّ أمير المؤمنى عليه السلام ما قال هذه المقالة إلاّ لمن رَأى منهم استعراضَ العامّة ، وقتل الأطفال حتى البهائم ، فقد كان منهم قوم فعلوا ذلك . وقد سبق مِنّا شرح أفعالهم ووقعائعهم بالناسِ ، وقالوا : إنّ الدار دار كفر لا يجوز الكفّ عن أحد من أهلها ، فهؤلاء هم الذين وجَّه أميرُ المؤمنين عليه السلام إليهم خطابه وإنكاره ، دون غيرهم من فرق الخوارج .
واعلم أنّ الخوارج كلّها تذهب إلى تكفير أهل الكبائر ، ولذلك كفّروا علياً عليه السلام ومَن اتّبعه على تصويب التحكيم ، وهذا الاحتجاج الذي احتجّ به عليهم لازم وصحيح ؛ لأ نّه لو كان صاحبُ الكبيرة كافراً لما صلّى عليه رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ولا ورّثه من المسلم ، ولا مكّنه من نكاح المسلمات ، ولا قسم عليه من الفيء ، ولأخرجه عن لفظ الإسلام .
قوله عليه السلام : « ومن رَمَى به الشيطان مراميَه » ، أي أضلّه ، كأنّه رمَى به مرمىً بعيداً ، فضلّ عن الطريق ، ولم يهتدِ إليها . قوله : « وضرب به تيهَه » أي حيّره وجعله تائهاً . ثم قال عليه السلام : يهلك فيّ رجُلان ، فأحدهما مَنْ أفرط حبّه له واعتقاده فيه حتى ادّعى له الحلول كما ادّعت النصارى ذلك في المسيح عليه السلام ، والثاني مَنْ أفرطَ بغضه له ، حتى حارَبَه ، أو لعنه ، أو برئ منه ، أو أبغضه ، هذه المراتب الأربع ؛ والبغض أدناها ، وهو مُوبِقٌ مهلك ، وفي الخبر الصّحيح المتَّفق عليه أنه « لا يحبّه إلاّ مؤمن ، ولا يبغضه إلاّ منافق » ۱ ، وحسبك بهذا الخبر ، ففيه

1.صحيح مسلم ۱ : ۸۶ ح۱۳۱ كتاب الإيمان عن عليّ عليه السلام بلفظ : أ نّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ، ولا يبغضني إلاّ منافق ، الإمام أحمد ابن حنبل في فضائل الصحابة وابتدأه بلفظ : يا أيّها الناس أُوصيكم بحبّ أخي وابن عمّي ... وعنه محبّ الدين الطبري في ذخائر العقبى : ص۹۱ ، المعجم الأوسط للطبراني ۵ : ۳۷۷ ح۴۷۴۸ بلفظ : لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق ... ، ومثله في المناقب لابن مردويه : ص۱۱۵ ح۱۳۸ ، وأخرجه بألفاظه المتعدّدة للعلامة الأميني رحمه الله في الغدير ۳ : ۲۶۰ ـ ۲۶۵ وأوعز إلى مصادره .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95596
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي