437
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.منها في وصف الأتراك :كَأنّي أَرَاهُمْ قَوْماً كَأَنَّ وَجُوهَهُمُ المجَانُّ الْمُطَرَّقَةُ ، يَلْبَسُونَ السَّرَقَ وَالدِّيبَاجَ ، وَيَعْتَقِبُونَ الْخَيْلَ الْعِتَاقَ . وَيَكُونُ هُنَاكَ اسْتِحْرَارُ قَتْلٍ حَتَّى يَمْشِيَ المجْرُوحُ عَلَى الْمَقْتُولِ ، وَيَكُونَ الْمُفْلِتُ أَقَلَّ مِنَ المَأْسُورِ .
فقال بعض أصحابه : لقد أُعطيت يا أمير المؤمنين علم الغيب ! فضحك عليه السلام . وقال للرجل ـ وكان كلبياً :
يَا أَخَا كَلْبٍ ، لَيْسَ هُوَ بِعِلْمِ غَيْبٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَعَلُّمٌ مِنْ ذِي عِلْمٍ . وَإِنَّمَا عِلْمُ الْغَيْبِ عِلْمُ السَّاعَةِ ، وَمَا عَدَّدَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ بِقَوْلِهِ : « إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْض تَمُوتُ »۱ الآية ، فَيَعْلَمُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِي الْأَرْحَامِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ اُنثَى ، وَقَبِيحٍ أَوْ جَمِيل ، وَسَخِيّ أَوْ بَخِيلٍ ، وَشَقِيًّ أَوْ سَعِيدٍ ، وَمَنْ يَكُونُ فِي النَّارِ حَطَباً أَوْ فِي الْجِنَانِ لِلنَّبِيِّينَ مُرَافِقاً . فَهذَا عِلْمُ الْغَيْبِ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ إِلاَّ اللّهُ ، وَمَا سِوَى ذلِكَ فَعِلْمٌ عَلَّمَهُ اللّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه و آله وسلمفَعَلَّمَنِيهِ ، وَدَعَا لِي بَأَنْ يَعِيَهُ صَدْرِي ، وَتَضْطَمَّ عَلَيْهِ جَوَانِحِي.

الشّرْحُ :

المجانّ : جمع مِجنّ بكسر الميم ، وهو التُّرس ، وإنّما سميَ مِجَنّا ؛ لأ نّه يستَتر به ، والجُنَّة : السُّترة والجمع جُنَن ، يقال استجنّ بِجُنّة ، أي استتر بسترة . والمُطْرَقة ، بسكون الطاء : التي قد أطرِق بعضها إلى بعض ، أي ضُمّتْ طبقاتها ؛ فجعل بعضُها يتلو بعضاً ، يقال : جاءت الإبل مطاريق ، أي يتلُو بعضها بعضاً . ويروى : « المجانّ المطرَّقة » ، بتشدديد الراء ، أي كالتِّرَسة المتَّخذة من حديد مطرَقٍ بالمطرَقة . والسَّرق : شُقَق الحرير ، وقيل : لا تسمَّى سَرَقاً إلاّ إذا كانت بيضاً ، الواحدة سَرَقة . ويعتقبون الخيل ، أي يجنبونها لينتقلوا من غيرها إليها .

1.سورة لقمان ۳۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
436

وَلاَ قَعْقَعَةُ لُجُمٍ ، وَلاَ حَمْحَمَةُ خَيْلٍ يُثِيرُونَ الْأَرْضَ بأَقْدَامِهمْ كَأ نّهَا أَقْدَامُ النَّعَامِ .

قال الشريف الرضي أبو الحسن رحمه الله :
يومئ بذلك إلى صاحب الزّنج ۱ .

۰.ثمّ قال عليه السلام :وَيْلٌ لِسِكَكِكُمُ الْعَامِرَةِ وَالدُّورِ الْمُزَخْرَفَةِ الَّتِي لَهَا أَجْنِحَةٌ كَأَجْنِحَةِ النُّسُورِ ، وَخَرَاطِيمُ كَخَرَاطِيمِ الْفِيَلَةِ ، مِنْ أُولئِكَ الَّذِينَ لاَ يُنْدَبُ قَتِيلُهُمْ ، وَلاَ يُفْقَدُ غَائِبُهُمْ .
أَنَا كَابُّ الدُّنْيَا لِوَجْهِهَا ، وَقَادِرُهَا بَقَدْرِهَا ، وَنَاظِرُهَا بِعَيْنِهَا!

الشّرْحُ :

اللّجَب : الصوت . والدُّور المزخرفة : المزيّنة المموّهة بالزُّخرف ، وهو الذهب .
وأجنحة الدور التي شبّهها بأجنحة النسور : رواشينها . والخراطيم : ميازيبها . وقوله : « لا يندب قتيلُهم » ، ليس يريد به مَنْ يقتلونه ، بل القتيل منهم ؛ وذلك لأنَّ أكثرَ الزَّنج الذين أشار إليهم ، كانوا عبيداً لدهاقين البصرة وبناتها ، ولم يكونوا ذوِي زوجاتٍ وأولاد ، بل كانوا على هيئة الشطّار عُزّاباً فلا نادبةَ لهم . وقوله : « ولا يفقد غائبهم » ، يريد به كثرتَهم وأنّهم كلما قتِل منهم قتيل سدّ مسدّه غيره ، فلا يظهر أثر فقده . وقوله : « أنا كابّ الدنيا لوجهها » ، مثل الكلمات المحكيّة عن عيسى عليه السلام : أنا الذي كببت الدنيا على وجهها ، ليس لي زوجةٌ تموت ، ولا بيت يخرب ، وسادِي الحجَر وفراشي المدَر ، وسراجي القمر .

1.هو علي بن محمد العلوي . ظهر في فرات البصرة سنة ۲۵۵ ، ـ لقب بصاحب الزنج نظرا لأنّ أكثر أنصاره منهم ـ أيام المهتدي العباسي . بلغ عدد جيشه (۰۰۰,۸۰۰) مقاتل . وقد عجز الخلفاء عن قتاله ، حتى ظفر به الموفق باللّه فقتله . تروى له أشعار كثيرة في البسالة والفتك ، كان يقولها هو وينحلها غيره ، وفي نسبه العلوي طعن .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95689
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي