441
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَالْأَكْثَرُ حُسَّداً . وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ، ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ اللّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً .
لاَ يُؤنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لأمَّنُوكَ .

الشّرْحُ :

واقعة أبي ذرّ ؛ وإخراجه إلى الرَّبَذة ، أحدُ الأحداث التي نُقِمَتْ على عثمان ، وقد رَوَى هذا الكلامَ أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ في كتاب « السقيفة » ، عن عبد الرزّاق ، عن أبيه ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عبّاس ، قال :
لمّا أُخْرِج أبو ذَرّ إلى الرَّبَذة ، أمر عثمان فنودي في الناس : ألاّ يُكَلِّم أحد أبا ذَرّ ، ولا يشيّعه ، وأمر مَرْوان بن الحَكم أن يخرُج به . فخرج به ، وتحاماه النّاس إلاّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وعَقِيلاً أخاه ، وحسنا وحسينا عليهماالسلام ، وعمّاراً ، فإنهم خرجوا معه يشيّعونه ، فجعل الحسن عليه السلام يكلّم أبا ذَرّ ، فقال له مرْوان : إيها يا حسن ! ألا تَعلم أنّ أميرَ المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل ! فإن كنتَ لا تعلم فاعلم ذلك ، فحمل عليّ عليه السلام عَلى مرْوان فضرب بالسوط بين أُذُنيْ راحلته ، وقال : تنحَّ لحاك اللّه إلى النار ! فرجع مَرْوان مغضَبا إلى عثمان ، فأخبره الخبَر ، فتلظّى على عليّ عليه السلام ، ووقف أبو ذَرّ فودّعه القوم ، ومعه ذكوان مولى أُمّ هانئ بنت أبي طالب .
قال ذَكْوان : فحفظت كلام القوم ، وكان حافظا ، فقال عليّ عليه السلام : يا أبا ذرّ ، إنّك غضبتَ للّه ! إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتَهم على دينك . فامتحنوك بالقِلى ، ونفوْك إلى الفلا ؛ واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رَتْقا ، ثمّ اتقى اللّه لجعل له منها مخرجاً . يا أباذرّ ، لا يؤنسنك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل . ثم قال لأصحابه : ودّعوا عَمّكم ، وقال لعقيل : ودّع أخاك .
فتكلّم عَقِيل ، ثم تكلّم الحسن عليه السلام ، ثم تكلّم الحُسين عليه السلام ، ثم تكلّم عمّار ؛ مغضباً . فبكى أبو ذَرّ رحمه الله ، وكان شيخا كبيرا ، وقال : رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة ! إذا رأيتُكم ذكرتُ بكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ما لي بالمدينة سَكَنٌ ولا شَجَنٌ غيركم ، إنّي ثَقُلت على عثمان بالحجاز ، كما


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
440

وقوله : « وأمكنَتْ فريستُه » ، أي وأمكنته ، فحُذِف المفعول . وقوله : « فاضرب بطرفك » لفظة فصيحة ، وقد أخذَها الشاعر فقال :

فاضْرِبْ بطرْفِك حيث شئتفلن ترى إلاّ بخيلا
والوفر : المال الكثير ، أي بخِل ولم يؤدّ حق اللّه سبحانه ، فكثر مالُه . والوقْر ، بفتح الواو : الثِّقَل في الأُذُن . وروي « المنغَصة » ، بفتح الغين . والحُثالة : السّاقط الرديء من كلّ شيء . وقوله : لا تلتقي بذمّهم الشفتان ، أي يأنَف الإنسان أن يذمّهم ؛ لأ نّه لابدّ في الذم من إطباق إحدى الشفتين على الأُخرى ، وكذلك في كلّ الكلام . وذهابا عن ذكرهم ، أي ترفّعاً ، يقال : فلان يذهب بنفسه عن كذا ، أي يرفعها . ولا زاجر مزدجِر ، أي ليس في الناس مَنْ يزجُر عن القبيح وينزجر هو عنه . ودار القدْس : هي الجنّة . ولا يُخْدَع اللّه عنها ؛ لأ نّه لا تَخْفى عليه خافية ، ولا يجوز عليه النّفاق والتمويه . ثم لعن الآمر بالمعروف ولا يفعله ، والناهيَ عن المنكر ويرتكبه ، وهذا من قوله تعالى : « أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ »۱ .
ولست أرى في هذه الخطبة ذكرا للموازين والمكاييل التي أشار إليها الرضيّ ؛ ، اللّهم إلا أن يكون قوله عليه السلام : « وأين المتورّعون في مكاسبهم » أو قوله : « ظهر الفساد » ودلالتهما على الموازين والمكاييل بعيدة .

130

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لأبي ذر ؛ لمّا أُخرج إلى الربذةيَا أَبَا ذَرّ ، إِنَّكَ غَضِبْتَ للّه ، فَارْجُ مَنْ غَضِبْتَ لَهُ . إِنَّ الْقَوْمَ خَافُوكَ عَلَى دُنْيَاهُمْ ، وَخِفْتَهُمْ عَلَى دِينِكَ ، فَاتْرُكْ فِي أَيْدِيهِمْ مَا خَافُوكَ عَلَيْهِ وَاهْرُبْ مِنهُمْ بِمَا خِفْتَهُمْ عَلَيْهِ؛ فَمَا أَحْوَجَهُمْ إِلَى مَا مَنَعْتَهُمْ ، ومَا أَغْنَاكَ عَمَّا مَنَعُوكَ ! وَسَتَعْلَمُ مَنِ الرَّابِحُ غَداً ،

1.سورة البقرة ۴۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95646
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي