وَالْأَكْثَرُ حُسَّداً . وَلَوْ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ كَانَتَا عَلَى عَبْدٍ رَتْقاً ، ثُمَّ اتَّقَى اللّهَ لَجَعَلَ اللّهُ لَهُ مِنْهُمَا مَخْرَجاً .
لاَ يُؤنِسَنَّكَ إِلاَّ الْحَقُّ ، وَلاَ يُوحِشَنَّكَ إِلاَّ الْبَاطِلُ ، فَلَوْ قَبِلْتَ دُنْيَاهُمْ لَأَحَبُّوكَ ، وَلَوْ قَرَضْتَ مِنْهَا لأمَّنُوكَ .
الشّرْحُ :
واقعة أبي ذرّ ؛ وإخراجه إلى الرَّبَذة ، أحدُ الأحداث التي نُقِمَتْ على عثمان ، وقد رَوَى هذا الكلامَ أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ في كتاب « السقيفة » ، عن عبد الرزّاق ، عن أبيه ، عن عِكْرِمة ، عن ابن عبّاس ، قال :
لمّا أُخْرِج أبو ذَرّ إلى الرَّبَذة ، أمر عثمان فنودي في الناس : ألاّ يُكَلِّم أحد أبا ذَرّ ، ولا يشيّعه ، وأمر مَرْوان بن الحَكم أن يخرُج به . فخرج به ، وتحاماه النّاس إلاّ عليّ ابن أبي طالب عليه السلام وعَقِيلاً أخاه ، وحسنا وحسينا عليهماالسلام ، وعمّاراً ، فإنهم خرجوا معه يشيّعونه ، فجعل الحسن عليه السلام يكلّم أبا ذَرّ ، فقال له مرْوان : إيها يا حسن ! ألا تَعلم أنّ أميرَ المؤمنين قد نهى عن كلام هذا الرجل ! فإن كنتَ لا تعلم فاعلم ذلك ، فحمل عليّ عليه السلام عَلى مرْوان فضرب بالسوط بين أُذُنيْ راحلته ، وقال : تنحَّ لحاك اللّه إلى النار ! فرجع مَرْوان مغضَبا إلى عثمان ، فأخبره الخبَر ، فتلظّى على عليّ عليه السلام ، ووقف أبو ذَرّ فودّعه القوم ، ومعه ذكوان مولى أُمّ هانئ بنت أبي طالب .
قال ذَكْوان : فحفظت كلام القوم ، وكان حافظا ، فقال عليّ عليه السلام : يا أبا ذرّ ، إنّك غضبتَ للّه ! إنّ القوم خافوك على دنياهم ، وخفتَهم على دينك . فامتحنوك بالقِلى ، ونفوْك إلى الفلا ؛ واللّه لو كانت السماوات والأرض على عبدٍ رَتْقا ، ثمّ اتقى اللّه لجعل له منها مخرجاً . يا أباذرّ ، لا يؤنسنك إلاّ الحقّ ، ولا يوحشنّك إلاّ الباطل . ثم قال لأصحابه : ودّعوا عَمّكم ، وقال لعقيل : ودّع أخاك .
فتكلّم عَقِيل ، ثم تكلّم الحسن عليه السلام ، ثم تكلّم الحُسين عليه السلام ، ثم تكلّم عمّار ؛ مغضباً . فبكى أبو ذَرّ رحمه الله ، وكان شيخا كبيرا ، وقال : رحمكم اللّه يا أهل بيت الرحمة ! إذا رأيتُكم ذكرتُ بكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، ما لي بالمدينة سَكَنٌ ولا شَجَنٌ غيركم ، إنّي ثَقُلت على عثمان بالحجاز ، كما