443
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَلاَ الْجَافِي فَيَقْطَعَهُمْ بِجَفَائِهِ ، وَلاَ الْحَائِفُ لِلدُّوَلِ فَيَتَّخِذَ قَوْماً دُونَ قَوْمٍ ، وَلاَ الْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ فَيَذْهَبَ بِالْحُقُوقِ ، وَيَقِفَ بِهَا دُونَ المَقَاطِعِ ، وَلاَ الْمُعطِّلُ لِلسُّنَّةِ فَيُهْلِكَ الأُمَّةَ .

الشّرْحُ :

أظأركم : أعطفكم ، ظأرت الناقةَ ظأرا ، وهي ناقة مظؤورة ، إذا عطفْتَها على ولد غيرها . وفي المثل : « الطعن يظأر » ، أي يعطف على الصلح . والوعوعة : الصوت ، والوعواع مثله .
وقوله : « هيهات أن أطلَع بكم سرار العدل » ، يفسّره الناس بمعنى هيهات أنْ أطلعكم مضيئين ومنوّرين لسِرار العدل . والسِّرار : آخر ليلة في الشهر ، وتكون مظلمة ؛ ويمكن عندي أن يفسَّر على وجه آخر ؛ وهو أن يكون السّرار هاهنا بمعنى السُّرر ، وهي خطوط مضيئة في الجبهة ؛ وقد نصَّ أهلُ اللغة على أنه يجوز فيها سُرر وسِرار ، وقالوا : ويجمع سِرار على أسرّة ، مثل حمار وأحمرة . ويقولون : برَقَتْ أسِرّة وجهه وأسارير وجهه ؛ فيكون معنى كلامه عليه السلام : هيهاتَ أن تلمع بكم لوامعُ العدل ، وتنجلي أوضاحُه ، ويبرق وجهه . ويمكن فيه أيضا وجه آخر وهو أن ينصب « سِرار » هاهنا على الظَّرفيّة ، ويكون التقدير : هيهات أن أُطلع بكم الحق زمان استسرار العدل واستخفائه ؛ فيكون قد حذف المفعول ، وحذفه كثير .
ثم ذكر أنّ الحروبَ الّتي كانتْ منه لم تكن طلباً للملْك ، ولا منافسة على الدّنيا ؛ ولكن لتقامَ حدودُ اللّه على وجهها ، ويجري أمر الشريعة والرعيّة على ما كان يجري عليه أيّام النبوّة . ثم ذكر أ نّه سبَق المسلمين كلَّهم إلى التوحيد والمعرفة ، ولم يسبِقه بالصلاة أحدٌ إلاّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وهكذا روى جمهور المحدثين .
فإن قلت : أيّ وجه لإدخال هذا الكلام في غُضُون مقصده في هذه الخطبة ؛ فإنها مبنيّة على ذمّ أصحابه ، وتقرير قاعدة الإمامة ، وأ نّه لا يجوز أن يليَها الفاسق ، وأ نّه لابدّ للإمام من صفات مخصوصة ، عدّدها عليه السلام ، وكلّ هذا لا تعلّق لسبقه إلى الإسلام!
قلت : بل الكلامُ متعلّق بعضُه ببعضٍ من وجهين :
أحدُهما : أنه لما قال : اللّهم إنّك تعلم أنيما سَللْتُ السَّيْفَ طلبا للملك ، أراد أن يؤكِّد هذا القول في نفوس السامعين ، فقال : أنا أوّل من أسْلَم ، ولم يكن الإسلام حينئذٍ معروفا أصلاً ،


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
442

ثقُلت على معاوية بالشام ، وكره أن أُجاور أخاه وابنَ خاله بالمصريْن ، فأُفسِد الناس عليهما ، فسيّرني إلى بلدٍ ليس لي به ناصر ولا دافع إلاّ اللّه ، واللّه ما أُريد إلاّ اللّه صاحبا ، وما أخشى مع اللّه وحشة .
واعلم أنّ الذي عليه أكثر أرباب السِّيرة وعلماء الأخبار والنّقل ، أنّ عثمان نفى أبا ذرّ أولاً إلى الشام ، ثم استقدمه إلى المدينة لما شكى منه معاوية ، ثم نفاه من المدينة إلى الرَّبَذة لَمّا عمل بالمدينة نظير ما كان يعمل بالشام ۱ .

131

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامأَيَّتُهَا النُّفُوسُ الُْمخْتَلِفَةُ ، وَالْقُلُوبُ الْمُتَشَتِّتَةُ ، الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ ، وَالْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ ، أَظْأَرُكُمْ عَلَى الْحَقِّ وَأَنْتُمْ تَنْفِرُونَ عَنْهُ نُفُورَ الْمِعْزَى مِنْ وَعْوَعَةِ الْأَسَدِ ! هَيْهَاتَ أَنْ أَطْلَعَ بِكُمْ سِرَارَ الْعَدْلِ ، أَوْ أُقِيمَ اعْوِجَاجَ الْحَقِّ .
اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ ، وَلاَ الِْتمَاسَ شِيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ ، وَلكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الاْءِصْلاَحَ فِي بِلاَدِكَ ، فَيَأْمَنَ الْمَظلومُونَ مِنْ عِبَادِكَ ، وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ .
اللَّهُمْ إِني أَوَّلُ مَنْ أَنَابَ ، وَسَمِعَ وَأَجَابَ ، لَمْ يَسْبِقْنِي إِلاَّ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وسلم بِالصَّلاَةِ . وقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْفُرُوجِ وَالدِّمَاءِ وَالْمَغَانِمِ وَالْأَحْكَامِ وَإِمَامَةِ الْمُسْلِمِينَ الْبَخِيلُ ، فَتَكُونَ فِي أَمْوَالِهِمْ نَهْمَتُهُ ، وَلاَ الْجَاهِلُ فَيُضِلَّهُمْ بِجَهْلِهِ ،

1.ليس لأبي ذر ؛ من عمل غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ولأجله نقم منه عثمان فنفاه إلى الربذة ، وبقي هناك فيالفلاة غريبا، ومات غريبا واجدا على عثمان، وهو القائل: « واللّه ليلقينّ اللّه عثمانُ وهو آثم في جنْبي» .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95624
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي