445
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

المقاطع » ، المقاطع : جمع مقطع ، وهو ما ينتهي الحقّ إليه ، أي لا تصل الحقوق إلى أربابها لأجل ما أُخِذ من الرشوة عليها .
فإن قلت : فما باله قال في المانع السادس : « فيهلك الأُمّة » وكلّ واحد من الموانع قبله يفضي إلى هلاك الأُمّة ؟!
قلت : كلّ واحد من الموانع الخمسة يفضِي إلى هلاك بعض الأُمّة ، وأمّا مَنْ يعطّل السنّة أصلاً ، فإنه لا محالة مهلك للأمّة كلّها ؛ لأ نّه إذا عطّل السنة مطلقا ، عادت الجاهلية الجهلاء كما كانت .
وقد روى : « ولا الخائف الدولَ » بالخاء المعجمة ، ونصب « الدّول » أي مَنْ يخاف دول الأيام وتقلّبات الدهر فيتّخذ قوماً دون قوم ظهريّا ، وهذا معنى لا بأس به .

132

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامنَحْمَدُهُ عَلَى مَا أَخَذَ وَأَعْطَى ، وَعَلَى مَا أَبْلَى وَابْتَلَى . الْبَاطِنُ لِكُلِّ خَفِيَّةٍ ، وَالْحَاضِرُ لِكُلِّ سَرِيرَةٍ ، العَالِمُ بِمَا تُكِنُّ الصُّدُورُ ، وَمَا تَخُونُ الْعُيُونُ . وَنَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ نَجِيبُهُ وَبَعِيثُهُ ، شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الإِعلاَنَ ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ .

الشّرْحُ :

على ما أبلى ، أي ما أعطى ، يقال : قد أبلاه اللّه بلاء حسناً ، أي أعطاه . وأمّا قوله : « وابتلى » فالابتلاء إنزال مضرّة بالإنسان على سبيل الاختبار ، كالمرض والفقر والمصيبة ، وقد يكون الابتلاء بمعنى الاختبار في الخير ؛ إلاّ أنه أكثر ما يستعمل في الشرّ . والباطن : العالم ، يقال


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
444

ومن يكون إسلامه هكذا لا يكون قد قصد بإسلامه إلاّ وجه اللّه تعالى والقربة إليه . فمن تكون هذه حاله في مبدأ أمره ، كيف يخطر ببال عاقل أ نّه يطلب الدنيا وحطامها ، ويجرّد عليها السيف في آخر عمره .
والوجه الثاني : أ نّه إذا كان أوّلَ السابقين ، وجب أن يكون أقربَ المقرّبين ؛ لأ نّه تعالى قال : « والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ »۱ ، وإذا كان عليه السلام أقربَ المقرّبين ، وجب أن تنتفيَ عنه الموانع الستة ، التي جعل كلّ واحد منها صادّا عن الإمامة ، وقاطعا عن استحقاقها ؛ وهي البخل والجهل والجفاء ، أي الغِلْظة ، والعصبية في دولته ، أي تقديم قوم على قوم ، والارتشاء في الحكْم ، والتعطيل للسنّة ، وإذا انتفتْ عنه هذه الموانع الستّة تعيّن أن يكون هو الإمام ؛ لأنّ شروط الإمامة موجودة فيه بالاتفاق ، فإذا كانت موانعُها عنه منتفيةً ولم يحصل لغيره اجتماع الشروط ، وارتفاع الموانع ، وجب أن يكون هو الإمام ؛ لأ نّه لا يجوز خُلوّ العصر من إمامٍ سواء كانت هذه القضيّة عقليّة أو سمعيّة .
فإن قلت : أفتراه عَنَى بهذا قوما بأعيانهم؟
قلت : الإمامية تزعُم أنه رَمَز في الجفاء والعصبية لقوم دون قوم إلى عمر ، ورمز بالجهل إلى مَنْ كان قبله ؛ ورمز بتعطيل السنّة إلى عثمان ومعاوية ۲ .
والنَّهْمة : الهمّة الشديدة بالأمر ، قد نُهم بكذا بالضم ، فهو منهوم أي مولَع به حريص عليه ، يقول : إذا كان الإمام بخيلاً كان حرصُه وجَشَعُه على أموال رعيَّته ، ومن رواها « نَهَمَته » ، بالتحريك فهي إفراط الشهوة في الطعام ، والماضي نَهِم ، بالكسر .
قوله عليه السلام : « فيقطعهم بجفائه » ، أي يقطعهم عن حاجاتهم لغلظته عليهم ؛ لأنّ الواليَ إذا كان غليظا جافياً أتعب الرعيّة وقطعهم عن مراجعته في حاجاتهم خوفا من بادرته ، ومعرّته . قوله : « ولا الحائف للدول » ، أي الظالم لها ، والجائر عليها . والدّول : جمع دُولة بالضمّ وهي اسم المال المتداول به ، يقال : هذا الفيء دُولة بينهم ، أي يتداولونه ، والمعنى أ نّه يجب أن يكونَ الإمام يقسم بالسويّة ، ولا يخصّ قوما دون قوم على وجه العصبيّة لقبيلة دون قبيلة ، أو لإنسان من المسلمين دون غيره ، فيتّخذ بذلك بطانة . قوله : « فيقف بها دون

1.سورة الواقعة ۱۰ .

2.انظر : بحار الأنوار ، للمجلسي ۸ : ۶۴۰ ط تبريز . وشرح نهج البلاغة المقتطف من بحار الأنوار ۲ : ۲۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95571
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي