455
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

135

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد وقعت بينه وبين عثمان مشاجرة
فقال المغيرة بن الأخنس لعثمان : أنا أكفيكه ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام للمغيرة :
يَابْنَ اللَّعِينِ الْأَبْتَرِ ، وَالشَّجَرَةِ الَّتي لاَ أَصْلَ لَهَا وَلاَ فَرْعَ أَنْتَ تَكْفِينِي ؟ فَوَ اللّه مَا أَعَزَّ اللّهُ مَنْ أَنْتَ نَاصِرُهُ ، وَلاَ قَامَ مَنْ أَنْتَ مُنْهِضُهُ . اخْرُجْ عَنَّا أَبْعَدَ اللّهُ نَوَاكَ ، ثُمَّ ابْلُغْ جَهْدَكَ ، فَـلاَ أَبْقَى اللّهُ عَلَيْكَ إِنْ أَبْقَيْتَ!

الشّرْحُ :

هو المغيرة بن الأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب بن علاج بن أبي سلمة الثقفيّ ، وإنما قال له أمير المؤمنين عليه السلام : « يابنَ اللعين » ؛ لأنّ الأخنس بن شريق كان من أكابر المنافقين ، ذكره أصحاب الحديث كلّهم في المؤلّفة قلوبهم ، الذين أسلموا يوم الفتح بألسنتهم دون قلوبهم ، وابنه أبو الحكم بن الأخنس ، قتَله أمير المؤمنين عليه السلام يوم أُحُد كافراً في الحرب ؛ وهو أخو المغيرة هذا . والحقْد الذي في قلب المغيرة عليه من هذه الجهة . وإنّما قال له : « يابن الأبتر » ؛ لأنّ مَنْ كان عقبه ضالاً خبيثاً ، فهو كمن لا عقِب له ، بل من لا عقب له خير منه . ويروى : « ولا أقام من أنت منهضه » بالهمزة . ويروى « أبعد اللّه نوءك » من أنواء النجوم التي كانت العرب تنسب المطر إليها ، وكانوا إذا دعوا على إنسان قالوا : أبعد اللّه نوءك ! أي خيرك . والجَهد بالفتح : الغاية ، ويقال : قد جهد فلان جَهده بالفتح ؛ لا يجوز غير ذلك ، أي انتهى إلى غايته . وقد رُوِيَ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لعن ثَقِيفا .
وروي أنه عليه السلام قال : « لولا عروة بن مسعود للعنْت ثقيفا » . وروى الحسن البصريّ أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم لعن ثلاث بيوت : بيتان من مكة ؛ وهما بنو أُميّة ، وبنو المغيرة ؛ وبيت من الطائف وهم ثقيف . وإنما قال له : والشجرة التي لا أصل لها ولا فرع ؛ لأنّ ثقيفاً في نسبها طعن . وقتل المغيرة بن الأخنس مع عثمان يوم الدار .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
454

وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَنْتَصِرُونَ ، وَمَنَعَهُمْ وَهُمْ قَلِيلٌ لاَ يَمْتَنِعُونَ ، حَيٌّ لاَيَمُوتُ .
إِنَّكَ مَتَى تَسِرْ إِلَى هذَا الْعَدُوِّ بِنَفْسِكَ ، فَتَلْقَهُمْ فَتُنْكَبْ ، لاَ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَهْفٌ دُونَ أَقْصَى بِلاَدِهِمْ . لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَباً ، وَاحْفِزْ مَعَهُ أَهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ ، فَإِنْ أَظْهَرَ اللّهُ فَذَاكَ مَا تُحِبُّ ، وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى ، كُنْتَ رِدْأً للنَّاس وَمَثَابَةً لِلْمُسْلِمِينَ .

الشّرْحُ :

توكَّل لهم : صار وكيلاً ، ويروى « وقد تكفّل » ، أي صار كفيلاً . والحوْزة : الناحية ، وحوْزة الملك بَيْضته ؛ يقول : إنما الذي نصرهم في الابتداء على ضَعْفهم هو اللّه تعالى ؛ وهو حَيٌّ لا يموت ؛ فأجدِرْ به أن ينصرَهم ثانياً ، كما نصرهم أولاً ! وقوله : « فتنكبْ » مجزوم لأ نّه عطف على « تِسرْ » . وكهف ، أي وكهفٌ يلجأ إليه . ويروى « كانفة » أي جهة عاصمة ، من قولك : كنفت الإبل ، جعلتَ لها كنيفاً من الشجر تستتِر به وتعتصم . ورجلٌ مِحْرَب ، أي صاحب حروب . وحفزتُ الرّجل أحفِزه : دفعتَه من خَلْفِه وسقتَه سوقاً شديدا . وكنت ردءا ، أي عوناً ، قال سبحانه : « فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءا يُصَدّقُنِي »۱ . ومثابة : أي مرجعاً ، ومنه قوله تعالى : « مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنا »۲ ، أشار عليه السلام ألاّ يشخَص بنفسه ، حذرا أن يصابَ ، فيذهب المسلمون كلّهم ، لذهاب الرأس ، بل يبعث أميرا من جانبه على النّاس ، ويقيم هو بالمدينة ، فإن هُزِموا كان مرجعُهم إليه .
واعلم أنّ هذه الغَزَاة هي غزاة فلسطين ، التي فتِح فيها بيت المقدس وقد ذكرها محمد ابن جرير الطبري في التاريخ ۳ .

1.سورة القصص ۳۴ .

2.سورة البقرة ۱۲۵ .

3.تاريخ الطبري ۱ : ۲۴۰۵ طبع أُوربا .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95469
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي