469
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً » 1 . فَرَحِمَ اللّهُ امْرَأً اسْتَقْبَلَ تَوْبَتَهُ ، وَاسْتَقَالَ خَطِيئَتَهُ ، وَبَادَرَ مَنِيَّتَهُ!
اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ مِنْ تَحْتِ الْأَسْتَارِ وَالْأَكْنَانِ ، وَبَعْدَ عَجِيجِ الْبَهَائِمِ وَالْوِلْدَانِ ، رَاغِبِينَ فِي رَحْمَتِكَ ، وَرَاجِينَ فَضْلَ نِعْمَتِكَ ، وَخَائِفِينَ مِنْ عَذَابِكَ وَنِقْمَتِكَ .
اللَّهُمَّ فَاسْقِنَا غَيْثَكَ وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، وَلاَ تُهْلِكْنَا بِالسِّنِينَ ، « أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا » يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ!
اللَّهُمَّ إِنَّا خَرَجْنَا إِلَيْكَ نَشْكُو إِلَيْكَ مَا لاَ يَخْفَى عَلَيْكَ ، حِينَ أَلْجَأَتْنَا الْمَضَايِقُ الْوَعْرَةُ ، وَأَجَاءَتْنَا الْمَقَاحِطُ الْمُـجْدِبَةُ ، وَأَعْيَتْنَا الْمَطَالِبُ الْمُتَعَسِّرَةُ ، وَتَلاَحَمَتْ عَلَيْنَا الْفِتَنُ الْمُسْتَصْعَبَةُ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأ لُكَ أَلاَّ تَرُدَّنَا خَائِبِينَ ، وَلاَ تَقْلِبَنَا وَاجِمِينَ . وَلاَ تُخَاطِبَنَا بِذُنُوبِنَا ، وَلاَ تُقَايِسَنَا بِأَعْمَالِنَا .
اللَّهُمَّ انْشُرْ عَلَيْنَا غَيْثَكَ وَبَرَكَتَكَ ، وَرِزْقَكَ وَرَحْمَتَكَ؛ وَاسْقِنَا سُقْيَا نَاقِعَةً مُرْوِيَةً مُعْشِبَةً ، تُنْبِتُ بِهَا مَا قَدْ فَاتَ ، وَتُحْيِي بِهَا مَا قَدْ مَاتَ ، نَافِعَةَ الْحَيَا ، كَثِيرَةَ الُمجْتَنَى ، تُرْوِي بِهَا الْقِيعَانَ ، وَتُسِيلُ الْبُطْنَانَ ، وَتَسْتَوْرِقُ الْأَشْجَارَ ، وَتُرْخِصُ الْأَسْعَارَ ؛ إِنَّكَ عَلى مَا تَشَاءُ قَدِيرٌ .

الشّرْحُ :

تظلّكم : تعلو عليكم ، وقد أظلّتني الشجرة واستظْللتُ بها . والزُّلفة : القربة ، يقول إنّ السماء والأرض إذا جاءتا بمنافعكم ـ أمّا السماء فبالمطر ، وأمّا الأرض فبالنّبات ـ فإنهما لم تأتيا بذلك تقرُّباً إليكم ، ولا رحمةً لكم ، ولكنّهما أُمِرَتا بنفعكم فامتثلتا الأمر ؛ لأ نّه أمرُ مَنْ تجب

1.سورة نوح ۱۰ ـ ۱۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
468

يرجع إلى ذات اللّه ، يعني الصدقات وما يجري مجراها من صلة الرَّحم والضيافة وفكّ الأسير والعاني ، وهو الأسير بعينه ، وإنما اختلف اللفظ .
والغارم : مَنْ عليه الديون ويقال : صَبَر فلان نفسَه على كذا مخفّفاً ، أي حبسها ، قال تعالى : « وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ »۱ . وقوله : « فإن فَوْزا » : أفصح من أن يقول : « فإنّ الفوز » أو فإنّ في الفوز .
ومراده تقرير فضيلة هذه الخصال في النفوس ، أي متى حصل للإنسان فوزٌ ما بها ؛ فقد حصل له الشرف ، وهذا المعنى وإن أعطاه لفظة « الفوز » بالألف واللام إذا قصد بها الجنسية إلاّ أنه قد يسبق إلى الذهن منها الاستغراق لا الجنسية ، فأتى بلفظةٍ لا توهِم الاستغراق ؛ وهي اللفظة المنكرة ؛ وهذا دقيق ، وهو من لباب علم البيان .

143

الأصْلُ :

0.ومن خطبة له عليه السلام في الاستسقاءأَلاَ وَإِنَّ الْأَرْضَ الَّتِي تَحْمِلُكُم ، وَالسَّمَاءَ الَّتِي تُظِلّكُمْ ، مُطِيعَتَانِ لِرَبِّكُمْ ، وَمَا أَصْبَحَتَا تَجُودَانِ لَكُمْ بِبَرَكَتِهِمَا تَوَجُّعاً لَكُمْ ، وَلاَ زُلْفَةً إِلَيْكُمْ ، وَلاَ لِخَيْرٍ تَرْجُوَانِهِ مِنْكُمْ ، وَلكِنْ أُمِرَتَا بِمَنَافِعِكُمْ فَأَطَاعَتَا ، وَأُقِيمَتَا عَلَى حُدُودِ مَصَالِحِكُمْ فَقَامَتَا .
إِنَّ اللّهَ يَبْتَلِي عِبَادَهُ عِنْدَ الْأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ بِنَقْصِ الثَّـمَرَاتِ ، وَحَبْسِ الْبَرَكَاتِ ، وَإِغْلاَقِ خَزَائِنِ الْخَيْرَاتِ ، لِيَتُوبَ تَائِبٌ ، وَيُقْلِعَ مُقْلِعٌ ، وَيَتَذَكَّرَ مُتَذَكِّرٌ ، وَيَزْدَجِرَ مُزْدَجِرٌ .
وَقَدْ جَعَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ الاِسْتِغْفَارَ سَبَباً لِدُرُورِ الرِّزْقِ وَرَحْمَةِ الْخَلْقِ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : « اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ

1.سورة الكهف ۲۸ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95449
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي