471
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

السّنون الممحلة ، جمع مَقْحَطة . وتلاحمت : اتصلت . والواجم : الذي قد اشتدّ حزنُه حتى أمسك عن الكلام ، والماضي « وَجَم » بالفتح يجِم وُجُوما .
قوله : « ولا تخاطبنا بذنوبنا ، ولا تقايسنا بأعمالنا » ، أي لا تجعل جوابَ دعائنا لك ما تقتضيه ذنوبنا ؛ كأنه يجعل كالمخاطِب لهم ، والمجيب عمّا سألوه إياه ، كما يفاوض الواحدُ منّا صاحبَه ويستعطفه ، فقد يجيبه ويخاطبه بما يقتضيه ذنبُه إذا اشتدّت موجدته عليه ونحوه . ولا تقايسنا بأعمالنا ، قِسْتُ الشيء بالشيء إذا حذوتَه ومثّلته به ، أي لا تَجعل ما تجيبنا به مقايسا ومماثلاً لأعمالنا السيّئة .
قوله : « سُقْيَا ناقعة » هي « فُعْلَى » مؤنثة غير مصروفة . والحيا : المطر . وناقعة : مروية مسكّنة للعطش ، نَقَع الماء العطش نَقْعا ونُقوعاً سكّنه ، وفي المثل : « الرّشْف أنْقَع » أيْ أنَّ الشراب الذي يُرْشَف قليلاً قليلاً أنجع وأقطع للعطش ، وإن كان فيه بط ء . وكثيرة المجتنى ، أي كثيرة الكلأ ، والكلأ : الذي يجتني ويرعى . والقِيعان : جمع قاعٍ ، وهو الفَلاَة . والبُطنان : جمع بَطْن ، وهو الغامض من الأرض ، مثل ظَهْر وظُهْران وعَبْد وعُبدان .

144

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامبَعَثَ رُسُلَهُ بِمَا خَصَّهُمْ بِهِ مِنْ وَحْيِهِ ، وَجَعَلَهُمْ حُجَّةً لَهُ عَلَى خَلْقِهِ ، لِئَلاَّ تَجِبَ الْحُجَّةُ لَهُمْ بِتَرْكِ الاْءِعْذَارِ إِلَيْهِمْ ، فَدَعَاهُمْ بِلِسَانِ الصِّدْقِ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِّ . أَلاَ إِنَّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ كَشَفَ الْخَلْقَ كَشْفَةً ؛ لاَ أ نّهُ جَهِلَ مَا أَخْفَوْهُ مِنْ مَصُونِ أَسْرَارِهِمْ وَمَكنُونِ ضَمَائِرِهمْ ؛ وَلكِنْ «لِيَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» ، فَيَكُونَ الثَّوَابُ جَزَاءً ، وَالْعِقَابُ بَوَاءً .
أَيْنَ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمُ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ دُونَنَا ؟ كَذِباً وَبَغْياً عَلَيْنَا ، أَنْ رَفَعَنَا اللّهُ وَوَضَعَهُمْ ، وَأَعْطَانَا وَحَرَمَهُمْ ، وَأَدْخَلَنَا وَأَخْرَجَهُمْ . بِنَا يُسْتَعْطَى الْهُدَى ، وَيُسْتَجْلَى


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
470

طاعته ، ولو أُمِرَتا بغير ذلك لفعلتاه . والكلام مجاز واستعارة ؛ لأنّ الجماد لا يؤمر ، والمعنى أنّ الكل مسخّر تحت القدرة الإلهية ، مرادُه تمهيدُ قاعدةِ الاستسقاء ، كأنه يقول : إذا كانت السماء والأرض أيام الخصْب والمطر والنّبات لم يكن ما كان منهما محبّة لكم ، ولا رجاء منفعةٍ منكم ؛ بل طاعة الصانع الحكيم سبحانه فيما سخّرَهما له ، فكذلك السماء والأرض أيام الجدْب وانقطاع المطر وعدم الكلأ ، ليس ما كان منهما بغضا لكم ، ولا استدفاعَ ضررٍ يُخاف منكم ، بل طاعة الصانع الحكيم سبحانه فيما سخّرَهما له ، وإذا كان كذلك فبالحري ألاّ نأمل السماء ولا الأرض ، وأن نجعل آمالنا معلّقة بالملك الحقّ المدبّر لهما ، وأن نسترحِمَه وندعُوَه ونستغفرَه ، لا كما كانت العرب في الجاهلية يقولون : مُطِرنا بنوْء كذا ، وقد سَخِط النَّوء الفلانيّ على بني فلان فأمحلوا .
ثم ذكر عليه السلام أنّ اللّه تعالى يبتلي عبادَه عند الذنوب بتضييق الأرزاق عليهم ، وحبس مطر السماء عنهم ؛ وهو معنى قوله : « ليتوب تائب ... » ، إلى آخر الكلمات . ويُقلع : يكفّ ويمسِك .
ثم ذكر أنّ اللّه سبحانه جعل الاستغفار سببا في دُرور الرزق ، واستدلّ عليه بالآية التي أمر نوح عليه السلام فيها قومه بالاستغفار ؛ يعني التوبة عن الذنوب ، وقدّم إليهم الموعِد بما هو واقع في نفوسهم ، وأحبّ إليهم من الأُمور الآجلة ، فمنّاهم الفوائد العاجلة ، ترغيبا في الإيمان وبركاته ، والطاعة ونتائجها .
فأمّا كون الاستغفار سببا لنزول القطْر ودرور الرزق ، فإنّ الآية بصريحها ناطقة به ؛ لأنّها أمرٌ وجوابه ، قال : « اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً» ، كما تقول : قم أكرمْك ، أي إن قمت أكرمتك . قوله : « استقبل توبته » أي استأنفها وجدّدها . واستقال خطيئته : طلب الإقالة منها والرحمة . وبادر منيّته : سابق الموت قبل أن يدهمه .
قوله عليه السلام : « لا تُهلِكْنا بالسنين » جمع : سَنَة ، وهي الجدْب والمحْل ، قال تعالى : « وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ »۱ . والمضايق الوَعْرة ، بالتسكين ، ولا يجوز التحريك ، وقد وَعُر هذا الشيء بالضم وُعورة ، وكذلك توعّر ، أي صار وَعْراً ، واستوعرتُ الشيء : استصعبتَه . وأجاءتنا : ألجأتنا ، قال تعالى : « فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ »۲ . والمقاحط المجدبة :

1.سورة الأعراف ۱۳۰ .

2.سورة مريم ۲۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95551
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي