481
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

ونبذ الكتاب : ألقاه . ولا يؤويهما : لا يضمهما إليه ، وينزلهما عنده . والزَّبْر : مصدر زبرت أزبُر بالضم ، أي كتبت ، وجاء يزبِر بالكسر ، والزِّبْر بالكسر : الكتاب ، وجمعه زبور ؛ مثل قِدْر وقدور ، وقرأ بعضهم : « وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً »۱ ، أي كتباً . والزَّبُور ، بفتح الزّاي : الكتاب المزبور ، فَعُول بمعنى مفعول ؛ وقال الأصمعيّ : سمعت أعرابيا يقول : أنا أعرف بِزِبْرَتي أي خطي وكتابتي . ومَثّلوا بالصالحين ، بالتخفيف : نَكَّلُوا بهم ، مثَلت بفلان أمثُل بالضمّ مَثْلاً بالفتح وسكون الثاء ، والاسم المُثْلة بالضم ؛ ومن روى « مَثّلوا » بالتشديد ؛ أراد جَدَعوهم بعد قتلهم .
« على » في قوله : « وسمّوا صدقهم على اللّه فرية » ، ليست متعلّقة بصدقهم ، بل بفرية ، أي وسمّوا صدقهم فرية على اللّه ؛ فإن امتنع أنْ يتعلق حرف الجرّ به لتقدّمه عليه ، وهو مصدر ، فليكن متعلقا بفعل مقدّر دلّ عليه هذا المصدر الظاهر . وروي : « وجعلوا في الحسنة العقوبة السيئة » والرواية الأُولى بالإضافة أكثر وأحسن . والموعود هاهنا : الموت . والقارعة : المصيبة تقرَع ، أي تلقى بشدّة وقوة .

الأصْلُ :

۰.أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ مَنِ اسْتَنْصَحَ اللّهَ وُفِّقَ ، وَمَنِ اتَّخَذَ قَوْلَهُ دَلِيلاً هُدِيَ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ؛ فَإِنَّ جَارَ اللّهِ آمِنٌ ، وَعَدُوَّهُ خَائِفٌ . وَإِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَرَفَ عَظَمَةَ اللّهِ أَنْ يَتَعَظَّمَ ، فَإِنَّ رِفْعَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا عَظَمَتُهُ أَنْ يَتَوَاضَعُوا لَهُ ، وَسَلاَمَةَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ مَا قُدْرَتُهُ أَنْ يَسْتَسْلِمُوا لَهُ . فَـلاَ تَنْفِرُوا مِنَ الْحَقِّ نِفَارَ الصَّحِيحِ مِنَ الْأَجْرَبِ ، وَالْبَارِي مِنْ ذِيالسَّقَمِ .
وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ ، وَلَنْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ ، وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ؛ فَالْتَـمِسُوا ذلِكَ مِنْ عِنْدِ أَهْلِهِ ، فَإِنَّهُمْ عَيْشُ الْعِلْمِ ، وَمَوْتُ الْجَهْلِ . هُمُ الَّذِينَ يُخْبِرُكُمْ

1.سورة الإسراء ۵۵ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
480

القرآن من قِصص الأولين ، وما حلّ بهم من النقمة عند مخالفة الرسل .
والمَثُلات ، بضم الثاء : العقوبات .

الأصْلُ :

۰.وَإِنَّهُ سَيَأْتِي عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي زَمَانٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ أَخْفَى مِنَ الْحَقِّ ، وَلاَ أَظْهَرَ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَلاَ أَكْثَرَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ؛ وَلَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ ذلِكَ الزَّمَانِ سِلْعَةٌ أَبْوَرَ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ، وَلاَ أَنْفَقَ مِنْهُ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ؛ وَلاَ فِي الْبِلاَدِ شَيْءٌ أَنْكَرَ مِنَ الْمَعْرُوفِ ، وَلاَ أَعْرَفَ مِنَ الْمُنْكَرِ ! فَقَدْ نَبَذَ الْكِتَابَ حَمَلَتُهُ ، وَتَنَاسَاهُ حَفَظَتُهُ ؛ فَالْكِتَابُ يَوْمَئِذٍ وَأَهْلُهُ طَرِيدَانِ مَنْفِيَّانِ ، وَصَاحِبَانِ مُصْطَحِبَانِ فِي طَرِيقٍ وَاحِدٍ لاَ يُؤوِيهِمَا مُؤوٍ . فَالْكِتَابُ وَأَهْلُهُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ فِي النَّاس وَلَيْسَا فِيهِمْ ، وَمَعَهُمْ وَلَيْسَا مَعَهُمْ ؛ لِأَنَّ الضَّلاَلَةَ لاَ تُوَافِقُ الْهُدَى ، وَإِنِ اجْتَمَعَا .
فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ عَلَى الْفُرْقَةِ ، وَافْتَرَقُوا عَنِ الْجَمَاعَةِ ، كَأَنَّهُمْ أَئِمَّةُ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الْكِتَابُ إِمَامَهُمْ ، فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ اسْمُهُ ، وَلاَ يَعْرِفُونَ إِلاَّ خَطَّهُ وَزَبْرَهُ . وَمِنْ قَبْلُ مَا مَثَّلُوا بِالصَّالِحِينَ كُلَّ مُثْلَةٍ ، وَسَمَّوْا صِدْقَهُمْ عَلَى اللّهِ فِرْيَةً ، وَجَعَلُوا فِي الْحَسَنَةِ عُقُوبَةَ السَّيِّئَةِ . وَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِطُولِ آمَالِهِمْ وَتَغَيُّبِ آجَالِهِمْ ، حَتَّى نَزَلَ بِهِمُ الْمَوْعُودُ الَّذِي تُرَدُّ عَنْهُ الْمَعْذِرَةُ ، وَتُرْفَعُ عَنْهُ التَّوْبَةُ ، وَتَحُلُّ مَعَهُ الْقَارِعَةُ وَالنِّقْمَةُ .

الشّرْحُ :

أخبر عليه السلام أ نّه سيأتي على الناس زمان من صفته كذا وكذا ؛ وقد رأيناه ورآه مَن كان قبلنا أيضاً ؛ قال شُعبة إمام المحدّثين : تسعة أعشار الحديث كذب . وقال الدار قطني : ما الحديث الصحيح في الحدِيث إلاّ كالشعرة البيضاء في الثّور الأسود . وأمّا غَلبة الباطل على الحقّ حتى يخفى الحق عنده ، فظاهرة . وأبْور : أفسد ، من بار الشيء ، أي هلك . والسلعة : المتاع ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95686
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي