483
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

148

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام في ذكر أهل البصرةكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْجُو الْأَمْرَ لَهُ ، وَيَعْطِفُهُ عَلَيْهِ دُونَ صَاحِبِهِ ، لاَ يَمُتَّانِ إِلَى اللّهِ بِحَبْلٍ ، وَلاَ يَمُدَّانِ إِلَيْهِ بَسَبَبٍ . كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَامِلُ ضَبٍّ لِصَاحِبِهِ ، وَعَمَّا قَلِيل يُكْشَفُ قِنَاعُهُ بِهِ ! وَاللّهِ لَئِنْ أَصَابُوا الَّذِي يُرِيدُونَ لَيَنْتَزِعَنَّ هذَا نَفْسَ هذَا ، وَلَيَأْتِيَنَّ هذَا عَلَى هذَا . قَدْ قَامَتِ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ، فَأَيْنَ الُْمحْتَسِبُونَ ! قَدْ سُنَّتْ لَهُمُ السُّنَنُ ، وَقُدِّمَ لَهُمُ الْخَبَرُ . وَلِكُلِّ ضَلَّةٍ عِلَّةٌ ، وَلِكُلِّ نَاكِثٍ شُبْهَةٌ .
وَاللّهِ لاَ أَكُونُ كَمُسْتَمِعِ اللَّدْمِ ، يَسْمَعُ النَّاعِيَ ، وَيَحْضُرُ الْبَاكِىَ ، ثُمَّ لاَ يَعْتَبِرُ!

الشّرْحُ :

ضمير التثنية راجعٌ إلى طَلْحةَ والزُّبير . ويمتّان : يتوسّلان ؛ الماضي ثلاثيِّ ؛ مَتّ يَمُتُّ بالضم . والضَّبّ : الحقد . والمحتسبون : طالبو الحِسْبة ؛ وهي الأجر ۱ . ومستمع اللّدم كناية عن الضبُع ؛ تسمع وقع الحجر بباب جُحرها من يد الصائد فتنخذِل وتكفّ جوارحَها إليها حتى يدخل عليها فيربطها ؛ يقول : لا أكون مقرّا بالضيم راغنا ۲ ؛ أسمع النّاعي المخبِر عن قتل عسكر الجمل لحكيم بن جبلة وأتباعه ، فلا يكون عندي من التغيير والإنكار لذلك ؛ إلاّ أن أسمعه وأحضر الباكين على قتلاهم .
وقوله : « لكل ضلّه علّة ، ولكل ناكث شُبهة » هو جواب سؤال مقدّر ، كأنه يقول : إن قيل : لأيّ سبب خرج هؤلاء ؟ فإنه لابدّ أن يكون لهم تأويل في خروجهم ؛ وقد قيل : إنهم

1.« ولا يمتّان إلى اللّه بحبل ... » ومعناه لم يخرج طلحة والزبير لوجه اللّه تعالى ، بل طلبا للدنيا ، وكلّ واحدٍ منهما حاقد على الآخر للتنافس على الخلافة ، ويتربص كلّ بصاحبه للخلاص منه .

2.يقال : رغن إليه : إذا أصغى إليه .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
482

حُكْمُهُمْ عَنْ عِلْمِهِمْ ، وَصَمْتُهُمْ عَنْ مَنْطِقِهِمْ ، وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ؛ لاَ يُخَالِفُونَ الدِّينَ وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمْ شَاهِدٌ صَادِقٌ ، وَصَامِتٌ نَاطِقٌ .

الشّرْحُ :

من استنصح اللّه : من أطاع أوامره وعلم أ نّه يهديه إلى مصالحه ، ويردّه عن مفاسده ويرشده إلى مافيه نجاته ، ويصرفه عمّا فيه عَطَبُه . والتي هي أقوم : يعني الحالة والخَلّة التي اتّباعها أقوم ؛ وهذا من الألفاظ القرآنية ، قال سبحانه : « إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتي هِيَ أقْوَمُ»۱ . والمراد بتلك الحالة المعرفة باللّه وتوحيده ووعدٍ له .
ثم نهى عليه السلام عن التكبّر والتعظّم وقال : إن رفعةَ القَومِ الذِينَ يعرفون عظمة اللّه أن يتواضَعُوا له . وما هاهنا ، بمعنى أيّ شيء ، ومن روى بالنصب جعلها زائدة . وقد ورد في ذم التعظّم والتكبّر ما يطول استقصاؤه ؛ وهو مذموم على العباد ، فكيف بمنْ يتعظّم على الخالق سبحانه وإنه لمن الهالكين!
قوله : « واعلَمُوا أنّكم لن تعرفوا الرّشد حتى تعرفوا الذي تَرَكه » ، فيه تنبيه على أنه يجب البراءة من أهل الضلال . ثم قال عليه السلام : « فالتمسوا ذلك عند أهله » ، هذا كناية عنه عليه السلام ؛ وكثيرا ما يسلك هذا المسلك ، ويعرِّض هذا التعريض ؛ وهو الصادق الأمين العارف بالأسرار الإلهية . ثم ذكر أنّ هؤلاء الذين أمَرَ باتّباعهم ينبئ حكمهم عن علمهم ، وذلك لأنّ الامتحان يظهر خبيئة الإنسان . ثم قال : « وصمتهم عن نطقهم » ، صمت العارف أبلغُ من نطق غيره ؛ ولا يخفى فضل الفاضل وإن كان صامتاً .
ثم ذكر أنّهم لا يخالفون الدّين ؛ لأنهم قُوّامه وأربابه ، ولا يختلفون فيه ؛ لأنّ الحقّ في التوحيد والعدل واحد ، فالدين بينهم شاهد صادق يأخذون بحكمه ؛ كما يؤخذ بحكم الشاهد الصادق . وصامت ناطق ؛ لأ نّه لا ينطق بنفسه بل لابدّ له من مترجم ؛ فهو صامت في الصورة ، وهو في المعنى أنطق الناطقين ؛ لأنّ الأوامر والنواهي والآداب كلَّها مبنيّة عليه ، ومتفرّعة عليه .

1.سورة الإسراء ۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95683
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي