489
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الْقَائِفُ أَثَرَهُ وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ . ثُمَّ لَيُشْحَذَنَّ فِيهَا قَوْمٌ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ تُجْلَى بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارُهُمْ ، وَيُرْمَى بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهمْ ، وَيُغْبَقُونَ كَأْسَ الْحِكْمَةِ بَعْدَ الصَّبُوحِ!

الشّرْحُ :

يذكر عليه السلام قوما من فرق الضلال أخذوا يميناً وشمالاً ، أي ضلّوا عن الطريق الوسطى التي هي منهاج الكتاب والسنّة ؛ وذلك لأنّ كلّ فضيلة وحقّ فهو محبوس بطرَفيْن خارجين عن العدالة ، وهما جانبا الإفراط والتفريط . فمن لم يقعْ على الطريق الوسطى وأخذ يمينا وشمالاً فقد ضلّ . ثم فسّر قوله : « أخذ يمينا وشمالاً » ، فقال : « ظعنوا ظعناً في مسالك الغيّ، وتركوا مذاهب الرشد تركا » . ونصب « تركاً » و « ظعناً » على المصدرية ، والعامل فيهما من غير لفظهما ؛ وهو قوله : « أخذوا » .
ثم نهاهم عن استعجال ما هو معدّ ، ولابدّ من كونه ووجوده ، وإنما سماه كائناً لقرب كونه ، كما قال تعالى : « إنّكَ مَيِّتٌ وَإنَّهُمْ مَيِّتُونَ »۱ ، ونهاهم أن يستبطئوا ما يجيء في الغد لقرب وقوعه ، كما [قيل] : وإن غدا للناظرين قريب .
وتباشير الصبح : أوائله . ثم قال : يا قومُ قد دنَا وَقت القيامة ، وَظهور الفتن التي تظهر أمامها .
وإبّان الشيء ، بالكسر وَالتشديد : وَقته وَزمانه ، وَكنى عن تلك الأهوال بقوله : « وَدُنُوٍّ من طلعة ما لا تعرفون » ؛ لأنّ تلك الملاحم والأشراط الهائلة غير معهود مثلُها ، نحو دابّة الأرض ، والدجّال وَفتنته ، وَما يظهر على يده من المخاريق وَالأُمور الموهِمة ، وَواقعة السُّفيانيّ وَما يقتل فيها من الخلائق الذين لا يحصَى عددهم . ثم ذكر أن مهديّ آل محمد صلى الله عليه و آله وسلم ، وهو الذي عنى بقوله : وإنّ مَنْ أدرَكَها منّا يسري في ظلمات هذه الفتن بسراج منير ، وهو المهديّ ، واتّباع الكتاب والسنة . ويحذُو فيها : يقتفي ويتّبع مثال الصالحين ، ليحلّ في هذه الفتن . ورِبقا : أي حبلاً معقوداً . ويعتِقُ رِقّاً ، أي يستفِكّ أسْرَى ، وينقذ مظلومين من أيدي ظالمين . ويصدَع شَعبا ، أي يفرّق جماعة من جماعات الضلال . ويشعَبُ صَدْعاً : يجمع ما تفرّق من كلمة أهل الهدى والإيمان .

1.سورة الزمر ۳۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
488

تلك الحال ، بل بالإضافة إلى من سمعها ، وأفكر فيها ، فضلاً عن مشاهدتها عِياناً . ثم قال عليه السلام : وَدّعتكم وَداع امرئٍ مرصد للتّلاقي ، أرصدته لكذا ، أي أعددته له ، وفي الحديث : «إلاّ أن أرصدَه لديْنٍ عَلَيّ » . والتلاقِي هاهنا : لقاء اللّه . ويروى : « ودَاعِيكم » أي وداعي إياكم ، والوَداع مفتوح الواو . ثم قال : « غداً ترون أيامي ، ويكشف لكم عن سرائري ، وتعرفونني بعد خلُوّ مكاني ، وقيام غيري مقامي » ؛ هذا معنىً قد تداوله الناس قديما وحديثا .
قال أبو تمام :

رَاحَتْ وفود الأرض عَن قَبْرِهفارغة الأيدي مِلاَءَ القُلُوبْ
قد علمتْ ما رزئت إنّمايُعرف قدرُ الشمس بعد الغروبْ
وإنما قال عليه السلام : « ويكشف لكم عن سرائري » ؛ لأنهم بعد فقده وموته يظهر لهم ويثبت عندهم إذا رأوا وشاهدوا إمرة مَنْ بعده ، أنه إنما كان يريد بتلك الحروب العظيمة وجه اللّه تعالى ، وألاّ يظهر المنكر في الأرض ، وإن ظنّ قوم في حياته أ نّه كان يريد الملك والدنيا .

150

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام ويومئ فيها إلى الملاحموَأَخَذُوا يَمِيناً وَشِمَالاً ظَعْنَاً فِي مَسَالِكِ الْغَيِّ ، وَتَرْكاً لِمَذَاهِبِ الرُّشْدِ .فَـلاَ تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ كَائِنٌ مُرْصَدٌ ، وَلاَ تَسْتَبْطِئُوا مَا يَجِيءُ بِهِ الْغَدُ . فَكَمْ مِنْ مُسْتَعْجِلٍ بِمَا إِنْ أَدْركَهُ وَدَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ .وَمَا أَقْرَبَ الْيَوْمَ مِنْ تَبَاشِيرِ غَدٍ!
يَاقَوْمِ ، هذَا إِبَّانُ وُرُودِ كُلِّ مَوْعُودٍ ، وَدُنُوٍّ مِنْ طَلْعَةِ مَا لاَ تَعْرِفُونَ . أَلاَ وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقاً ، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقّاً ، وَيَصْدَعَ شَعْباً ، وَيَشْعَبَ صَدْعاً ، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاس لاَ يُبْصِرُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95536
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي