515
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.قَدْ خَاضُوا بِحَارَ الفِتَنِ ، وَأَخَذُوا بِالْبِدَعِ دُونَ السُّنَنِ . وَأَرَزَ الْمُؤمِنُونَ ، وَنَطَقَ الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ . نَحْنُ الشِّعَارُ وَالْأَصْحَابُ ، وَالْخَزَنَةُ وَالْأَبْوَابُ ؛ وَلاَ تُؤتَى الْبُيُوتُ إِلاَّ مِنْ أَبْوَابِهَا؛ فَمَنْ أَتَاهَا مِنْ غَيْرِ أَبْوَابِهَا سُمِّيَ سَارِقاً .

الشّرْحُ :

هذا كلام متَّصل بكلام لم يحكِه الرضيّ ؛ ؛ وهو ذكْر قومٍ من أهل الضّلال قد كان أخذ في ذمّهم ، ونَعَى عليهم عيوبهم .
وأَرزَ المؤمنون : أي انقبضوا ؛ والمضارع « يأرِز » بالكسر أرْزاً وأروزاً ، ورجل أرْوَز أي منقبض . ثم قال : « نحن الشّعار والأصحاب » ؛ يشير إلى نفسه ، وهو أبداً يأتي بلفظ الجمع ومراده الواحد . والشِّعار : ما يلي الجسد من الثيابِ ، فهو أقرب من سائرهم إليه ؛ ومراده الاختصاص برسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم . والخَزَنَةُ والأبواب ؛ يمكن أن يعنى به خَزَنة العلم وأبواب العلم ؛ لقول رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها ، فمن أرادَ الحكمة فلْيأتِ الباب » . وقوله فيه : « خازن علمي » وقال تارة أُخرى : « عَيْبة عِلْمي » ويمكن أن يريد خزنة الجنّة وأبواب الجنة ، أي لا يدخل الجنة إلاّ مَنْ وافَى بولايتنا ؛ فقد جاء في حقه الخبر الشائع المستفيض : إنه قَسِيم النار والجنة ، وذكر أبو عبيد الهرويّ في « الجمع بين الغريبين » ، أنّ قوما من أئمة العربية فسَّرُوه فقالوا : لأ نّه لما كان مُحِبُّهُ من أهل الجنة ، ومبغِضهُ من أهل النّار ؛ كأنّه بهذا الاعتبار قسيمُ النار والجنة . قال أبو عبيد : وقال غير هؤلاء : بلْ هو قسيمها بنفسه في الحقيقة ؛ يدخِل قوماً إلى الجنة ، وقوما إلى النار ؛ وهذا الذي ذكره أبو عبيد أخيرا هو ما يطابق الأخبار الواردة فيه ، يقول للنار : هذا لي فدعيه ، وهذا لك فخذيه .
ثم ذكر أن البيوت لا تؤتَى إلاّ من أبوابها ، قال اللّه تعالى : « وَلَيْسَ الْبِرُّ بأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلكِنّ البِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا البُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها »۱ . ثم قال : مَنْ أتاها من غير أبوابها سمّي سارقاً ، وهذا حقّ ظاهراً وباطناً ؛ أمّا الظاهر فلأنّ مَنْ يتسوّر البيوت من غير أبوابها هو

1.سورة البقرة ۱۸۹ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
514

المَثل » واحد الأمثال ، أي هذا الحكْم بعدم المغفرة لمن أتى شيئا من هذه الأشياء عامّ ؛
والواحد منها دليل على ما يماثله ويشابهه .
ثم أراد عليه السلام أن يومئ إلى ذكر النّساء للحال التي كان وقع إليها من استنجاد أعدائه بامرأة ؛ فذكر قبل ذكر النساء أنواعا من الحيوان ، تمهيدا لقاعدة ذِكر النساء ، فقال : إنّ البهائم همّها بطونها ، كالحُمر والبقر والإبل الغَنم ، وإنّ السّباع همّها العدوان عَلَى غيرها ؛ كالأسود الضارية والنمور والفهود والبُزاة والصّقور . ثم قال : وإن النساء همّهنّ زينة الحياة الدنيا والفساد فيها .
ثم ذكر عليه السلام خصائص المؤمن ، فقال : إنّ المؤمنين مستكينون ؛ استكان الرجلُ ، أي خَضَع وذلّ . إنّ المؤمنين مشفقون ، التقوى رأس الإيمان كما ورد في الخبر . ثم قال : « إن المؤمنين خائفون » ؛ هو الأول وإنما أكّده ، والتأكيد مطلوب في باب الخطابة .

154

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَنَاظِرُ قَلْبِ اللَّبِيبِ بِهِ يُبْصِرُ أَمَدَهُ ، وَيَعْرِفُ غَوْرَهُ وَنَجْدَهُ . دَاعٍ دَعَا ، وَرَاعٍ رَعَى ، فَاسْتَجِيبُوا لِلدَّاعِي ، وَاتَّبِعُوا الرَّاعِيَ .

الشّرْحُ :

يقول : إنّ قلب اللبيب له عين يبصر بها غايتَه التي يجري إليها ، ويعرف من أحواله المستقبَلة ما كان مرتفعا أو منخفضا ساقطا . والنَّجْد : المرتفع من الأرض ، ومنه قولهم للعالم بالأُمور : « طَلاّع أنجُد » . ثم قال : « داعٍ دعا » ؛ موضع « داعٍ » رفع ؛ لأ نّه مبتدأ محذوف الخبر ، تقديره : « في الوجود داع دعا ، وراعٍ رعى » ؛ ويعنى بالدّاعي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وبالراعي نفسَه عليه السلام .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95648
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي