الشّرْحُ :
جعل الحمد مفتاحا لذكره ؛ لأنّ أوّل الكتاب العزيز : « الْحَمْدُ للّهِِ رَبِّ الْعَالَمِينَ » ؛ والقرآن هو الذكر ، قال سبحانه : « إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ »۱ ، وسبباً للمزيد ؛ لأ نّه تعالى قال : « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأزِيدَنَّكُمْ »۲ ، والحمد هاهنا هو الشكر ، ومعنى جعله الحمدَ دليلاً على عظمته وآلائه أ نّه إذا كان سبباً للمزيد ، فقد دلّ ذلك على عظمة الصانع وآلائه ؛ أمّا دلالته عَلَى عظمته ، فلأنّه دالٌّ عَلَى أنّ قدرته لا تتناهى أبدا ، بل كلّما ازداد الشكر ازدادت النعمة . وأمّا دلالته عَلَى آلائه ، فلأنّه لا جودَ أعظمُ من جود مَنْ يعطي مَنْ يحمَده ، لا حمدا متطوّعا ، بل حمْداً واجباً عليه .
قوله : « يجري بالباقين كجريه بالماضين » ، من هذا أخذ الشعراء وغيرهم ما نظموه في هذا المعنى ، قال بعضهم :
مات مَنْ مات والثريّا الثريّاوالسِّماك السّماك والنَّسْرُ نَسْرُ
ونجوم السّماء تضحك مِنّاكيفَ تَبْقَى مِنْ بعدِنَا ونَمُرّ!
قوله : « لا يعود ما قد ولّى منه » ، كقول الشاعر :
مَا أحْسَن الأيَّام إلاَّ أنَّهَايا صاحبيّ إذا مَضَتْ لم ترجعِ
قوله : « ولا يبقى سرمدا ما فيه » ؛ كلام مطروق المعنى ، قال عديّ :
ليس شيءٌ عَلَى المنون بباقِغير وجه المهيمن الخلاّقِ
قوله : « آخر أفعاله كأوّله » ، يروى : « كأوّلها » ، ومن رواه : « كأوّله » أعاد الضّمير إلى الدهر ، أي آخر أفعال الدهر كأوّل الدهر ، فحذف المضاف . متشابهة أُموره ؛ لأ نّه ـ كما كان من قبل ـ يرفع ويضع، ويغني ويفقر ، ويوجد ويعدم، فكذلك هو الآن أفعاله متشابهة. وروي : « متسابقة » أي شيء منها قبل شيء ، كأنّها خيلٌ تتسابق في مِضْمارٍ . « متظاهرة أعلامه » : أي دَلالاته على سجيّتِه التي عامَل النَّاس بها قديماً وحديثا . متظاهرة : يقوّي بعضها بعضا . وهذا الكلام جارٍ منه عليه السلام عَلَى عادة العرب في ذكر الدّهر ؛ وإنما الفاعل على الحقيقة ربُّ الدهر . والشَّوْل : النُّوق التي خَفّ لبنها وارتفع ضَرْعها ، وأتى عليها من نَتَاجها سبعة أشهر أو