وَأَحْصَيْتَ الْأَعْمَالَ ، وَأَخَذْتَ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدَامِ .
وَمَا الَّذِي نَرَى مِنْ خَلْقِكَ ، وَنَعْجَبُ لَهُ مِنْ قُدْرَتِكَ ، وَنَصِفُهُ مِنْ عَظِيمِ سُلْطَانِكَ ، وَمَا تَغَيَّبَ عَنَّا مِنْهُ ، وَقَصُرَتْ أَبْصَارُنَا عَنْهُ ، وَانْتَهَتْ عُقُولُنَا دُونَهُ ، وَحَالَتْ سَواتِرُ الْغُيُوبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ أَعْظَمُ . فَمَنْ فَرَّغَ قَلْبَهُ ، وَأَعْمَلَ فِكْرَهُ ، لِيَعْلَمَ كَيْفَ أَقَمْتَ عَرْشَكَ ، وَكَيْفَ ذَرَأْتَ خَلْقَكَ ، وَكَيْفَ عَلَّقْتَ فِي الْهَوَاءِ سَمَاوَاتِكَ ، وَكَيْفَ مَدَدْتَ عَلَى مَوْرِ الْمَاءِ أَرْضَكَ ، رَجَعَ طَرْفُهُ حَسِيراً ، وَعَقْلُهُ مَبْهُوراً ، وَسَمْعُهُ وَالِهَاً ، وَفِكْرُهُ حَائِراً .
الشّرْحُ :
يجوز أن يكون أمْره هاهنا هو الأمر الفعليّ ، لا الأمر القوليّ ، كما يقال : أمْر فلان مستقيم ، وما أمْر كذا ، وقال تعالى : « وَمَا أَمْرُنَا إلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ »۱ ، « وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أقْرَبُ »۲ ، فيكون المعنى أنّ شأنه تعالى ليس إلاّ أحد شيئين وهما « أن يقول » ، « وأن يفعل » ، فعبّر عن « أن يقول » بقوله : « قضاء » ؛ لأنّ القضاء الحكم ، وعبر عن « أن يفعل » بقوله : « وحكمة » ؛ لأنّ أفعاله كلّها تتبَع دواعيَ الحكمة . ويجوز أن يكون « أمره » هو الأمر القولي ؛ وهو المصدر من « أمَر له بكذا أمرا » فيكون المعنى أنّ أوامره إيجاب وإلزام بما فيه حكمة ومصلحة ؛ وقد جاء القضاء بمعنى الإلزام والإيجاب في القرآن العزيز في قوله : « وَقَضَى رَبُكَ أَلاّ تَعْبدُوا إلاّ إيَّاه »۳ ، أي أوجب وألزم . قوله : « ورضاه أمانٌ ورحمة » ؛ لأنّ مَنْ فاز بدرجة الرضا فقد أمن وحصلت له الرحمة ؛ لأنّ الرضا رحمة وزيادة . قوله : « يقضي بعلم » ، أي يحكم بما يحكم به ؛ لأ نّه عالم بحسن ذلك القضاء أو وجوبه في العدل . « ويعفو بحلْم » ، أي لا يعفو عن عجز وذلّ ، كما يعفو الضعيف عن القويّ ؛ بل هو قادر على الانتقام ولكنّه يحلم .
ثم حمِد اللّه تعالى على الإعطاء والأخذ ، والعافية والبلاء ؛ لأنّ ذلك كلَّه من عند اللّه لمصالح للمكلّف ، يعلمها ومايعلمها المكلّف ، والحمد على المصالح واجب . ثم أخذ في