559
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

المثل : « يُسِرُّ حَسْوا في ارتغاء » ، ومراده تفضيل نفسه عليه السلام عليهما ؛ لأنّ العلّة التي باعتبارها فضّل عثمان عليهما محققةٌ فيه وزيادة ؛ لأنّ له مع المنافيَّة الهاشميّة ، فهو أقرب .
والوشيجة : عروقُ الشَّجرة . ثم حذّره جانب اللّه تعالى ونبّهه على أن الطريق واضحة ، وأعلام الهدى قائمة ، وأنّ الإمام العادل أفضلُ الناس عند اللّه ، وأنّ الإمام الجائر شرّ الناس عند اللّه . ثم روى له الخبر المذكور ، وروي : « ثم يرتبك في قعرها » ، أي ينشَب . وخوّفه أن يكون الإمامَ المقتول الذي يفتح الفِتن بقتله ؛ وقد كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قال كلاماً هو هذا ، أو يشبه هذا . ومَرَج الدين ، أي فسد . والسَّيّقة : ما استاقه العدوّ من الدوابّ ، مثل الوسيقة . والجُلال ، بالضم : الجليل ، كالطُّوال والطويل ، أي بعد السنّ الجليل ، أي العمر الطويل .
وقوله : « ما كان بالمدينة فلا أجلَ فيه ، وما غاب فأجلُه وصول أمرك إليه » ، كلامٌ شريف فصيح ؛ لأنّ الحاضر أيّ معنى لتأجيله ؟! والغائب فلا عذر بعد وصول الأمر في تأخيره ؛ لأنّ السلطان لا يؤخّر أمره .
وقد ذكر أبو جعفر محمد بن جرير الطبريّ ؛ في « التاريخ الكبير » هذا الكلام ۱ ...

166

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووسابْتَدَعَهُمْ خَلْقاً عَجِيباً مِنْ حَيَوَانٍ وَمَوَاتٍ ، وسَاكِنٍ وَذِي حَرَكَاتٍ ؛ وَأَقَامَ مِنْ شَوَاهِدِ الْبَيِّنَاتِ عَلَى لَطِيفِ صَنْعَتِهِ ، وَعَظِيمِ قُدْرَتِهِ ، مَا انْقَادَتْ لَهُ الْعُقُولُ مُعْتَرِفَةً بِهِ ، وَمُسَلِّمَةً لَهُ ، وَنَعَقَتْ فِي أَسْمَاعِنَا دَلاَئِلُهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ، وَمَا ذَرَأَ مِنْ مُخْتَلِفِ صُوَرِ الْأَطْيَارِ الَّتِي أَسْكَنَهَا أَخَادِيدَ الْأَرْضِ ، وَخُرُوقَ فِجَاجِهَا ، وَرَوَاسِي أَعْلاَمِهَا ، مِنْ

1.ذكر الشارح كلاماً طويلاً هو عبارة عن حوار دار بين أمير المؤمنين عليه السلام وعثمان ، ثم ذكر بعده خطبة لعثمان في الناس إثر ذلك الحوار .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
558

مَتْرُوكَةً . وَإِني سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيه وآلِه وسلّم يَقُولُ : « يُؤتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالإمامِ الْجَائِرِ وَلَيْسَ مَعَهُ نَصِيرٌ وَلاَ عَاذِرٌ ، فَيُلْقَى فِي نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيَدُورُ فِيهَا كَمَا تَدُورُ الرَّحَى ، ثُمَّ يَرْتَبِطُ فِي قَعْرِهَا » .
وَإِني اُنشِدُكَ اللّهَ أَلاَّ تَكُونَ إِمَامَ هذِهِ الْأُمَّةِ الْمَقْتُولَ ، فَإِنَّهُ كَانَ يُقَالُ يُقْتَلُ فِي هذِهِ الْأُمَّةِ إِمَامٌ يَفْتَحُ عَلَيْهَا الْقَتْلَ وَالْقِتَالَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَيَلْبِسُ أُمُورَهَا عَلَيْهَا ، وَيَبُثُّ الْفِتَنَ فِيهَا ، فَـلاَ يُبْصِرُونَ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ؛ يَمُوجُونَ فِيهَا مَوْجاً ، وَيَمْرُجُونَ فِيهَا مَرْجاً . فَلاَ تَكُونَنَّ لِمَرْوَانَ سَيِّقَةً يَسُوقُكَ حَيْثُ شَاءَ بَعْدَ جَلاَلِ السِّنِّ وَتَقَضِّي الْعُمُرِ .

فَقَالَ لَهُ عُثْمَـانُ :
كَلِّمِ النَّاسَ فِي أَنْ يُؤجِّلُونِي ، حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَظَالِمِهمْ .

۰.فقال عليه السلام :مَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَـلاَ أَجَلَ فِيهِ ، وَمَا غَابَ فَأَجَلُهُ وُصُولُ أَمْرِكَ إِلَيْهِ .

الشّرْحُ :

نَقمت على زيد ، بالفتح ، أنقَم فأنا ناقم ، إذا عتبتَ عليه . وقال الكِسائيّ : نقِمت بالكسر أيضا ، أنقَم لغة ؛ وهذه اللفظة تجيء لازمة ومتعدّية ، قالوا : نقَمت الأمْرَ أي كرهته . واستعتبتُ فلاناً : طلبت منه العُتْبى وهي الرّضا ، واستعتابُهم عثمان : طلبُهم منه ما يرضيهم عنه . واستسفروني : جعلوني سفيرا ووسيطا بينك وبينهم .
ثم قال له وأقسم على ذلك : إنّه لا يعلم ماذا يقول له ! لأ نّه لا يعرِف أمراً يجهله ، أي من هذه الأحداث خاصّة . وهذا حقّ ؛ لأنّ علياً عليه السلام لم يكن يعلم منها ما يجهله عثمان ، بل كان أحداث الصبيان فضلاً عن العقلاء المميّزين ، يعلمون وجهَيِ الصواب والخطأ فيها . ثم شرع معه من مسْلَك الملاطفة والقول اللّين ، فقال : ما سبقنا إلى الصّحْبة ، ولا انفردنا بالرَّسُول دونك ، وأنت مثلنا ونحن مثلك . ثم خرج إلى ذكر الشيْخَيْن ، فقال قولاً معناه أنّهما ليسا خيرا منك، فإنّك مخصوص دونهما بقرْب النسب ، يعني المنافيّة ۱ وبالصهر؛ وهذا كلام هو موضع

1.المنافيَّة : الانتساب إلى عبد مناف ، والهاشمية ، نسبة إلى هاشم .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95462
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي