561
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.وَمِنْ أَعْجَبِهَا خَلْقاً الطَّاوُوسُ الَّذِي أَقَامَهُ فِي أَحْكَمِ تَعْدِيلٍ ، وَنَضَّدَ ألوَانَهُ فِي أَحْسَنِ تَنْضِيدٍ ، بِجَنَاحٍ أَشْرَجَ قَصَبَهُ ، وَذَنَبٍ أَطَالَ مَسْحَبَهُ . إِذَا دَرَجَ إِلَى الْأُنْثَى نَشَرَهُ مِنْ طَيِّهِ ، وَسَمَا بِهِ مُطِلاًّ عَلَى رَأْسِهِ كَأَنَّهُ قِلْعُ دَارِيٍّ ، عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ . يَخْتَالُ بِألوَانِهِ ، وَيَمِيسُ بِزَيَفَانِهِ . يُفْضِي كَإِفْضَاءِ الدِّيَكَةِ ، وَيَؤرُّ بِمَلاَقِحِهِ أَرَّ الْفُحُولِ الْمُغْتَلِمَةِ لِلضِّرَابِ . أُحِيلُكَ مِنْ ذلِكَ عَلَى مُعَايَنَةٍ ، لاَ كَمَنْ يُحِيلُ عَلَى ضَعِيفٍ إِسْنَادُهُ . وَلَوْ كَانَ كَزَعْمِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يُلْقِحُ بِدَمْعَةٍ تَسْفَحُهَا مَدَامِعُهُ ، فَتَقِفُ فِي ضَفَّتَي جُفُونِهِ ، وأَنَّ أُنْثَاهُ تَطْعَمُ ذلِكَ ، ثُمَّ تَبِيضُ لاَ مِنْ لِقَاحِ فَحْلٍ سِوَى الدَّمْعِ الْمُنْبَجِسِ ، لَمَا كَانَ ذلِكَ بَأَعْجَبَ مِنْ مُطَاعَمَةِ الْغُرَابِ!

الشّرْحُ :

الطاووس : فاعول ، كالهاضوم ، والكابوس ، وترخيمُه « طُوَيس » . ونضّد : رتَّب . قوله : « أشرج قصبَه » ، القصب هاهنا : عروق الجناح . وغضاريفه : عظامه الصغار ، وأشرَجها : ركّب بعضها في بعض كما تُشرَج العيبة ، أي يداخِلُ بين أشراجها وهي عُراها ، واحدها شَرَج ، بالتحريك . ثم ذكر ذَنَب الطاووس ، وأ نّه طويل المسحَب ، وأنّ الطاووس إذا دَرَج إلى الأُنثى للسِّفاد نَشَر ذَنَبه من طَيِّه ، وعَلاَ بِهِ مرتفعا على رأسه . والقَلْع : شِراع السفينة ، وجمعه قِلاع . والدّاريّ : جالب العطر في البحر من دَارِين ؛ وهي فُرْضة بالبحرين ، فيها سُوقٌ يحمل إليها المسْك من الهند ، وفي الحديث : « الجليس الصالح كالدّارِيّ ، إن لم يُحْذِك من عطره علقَك من ريحه » . والنُّوتي : الملاّح ؛ وجمعه نواتيّ . وعَنَجه : عَطَفه ، وعَنَجْت خِطام البعير ، رددته على رجْليه ، أعنُجُه بالضمّ ، والاسم العَنَج ، بالتحريك ؛ وفي المثل « عَوْدةٌ يُعَلَّم الْعَنْج » ۱ يضرب مثلاً لتعليم الحاذق . ويختال ،

1.العود : البعير المسن ، وانظر مجمع الأمثال ۱ : ۱۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
560

ذَاتِ أَجْنِحَةٍ مُخْتَلِفَةٍ ، وَهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ ، مُصَرَّفَةٍ فِي زِمَامِ التِّسْخِيرِ ، وَمُرَفْرِفَةٍ بِأَجْنِحَتِهَا فِي مَخَارِقِ الْجَوِّ الْمُنْفَسِحِ ، وَالْفَضَاءِ الْمُنْفَرِجِ .
كَوَّنَهَا بَعْدَ إِذْ لَمْ تَكُنْ فِي عَجائِبِ صُوَرٍ ظَاهِرَةٍ ، وَرَكَّبَهَا فِي حِقَاقِ مَفَاصِلَ مُحْتَجِبَةٍ ، وَمَنَعَ بَعْضَهَا بِعَبَالَةِ خَلْقِهِ أَنْ يَسْمُوَ فِي الْهَوَاءِ خُفُوفاً ، وَجَعَلَهُ يَدِفُّ دَفِيفاً وَنَسَقَهَا عَلَى اخْتِلاَفِهَا فِي الْأَصَابِيغِ بِلَطِيفِ قُدْرَتِهِ ، وَدَقِيقِ صَنْعَتِهِ . فَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي قَالَبِ لَوْنٍ لاَ يَشُوبْهُ غَيْرُ لَوْنِ مَا غُمِسَ فِيه؛ وَمِنْهَا مَغْمُوسٌ فِي لَوْنِ صِبْغٍ قَدْ طُوِّقَ بِخِلاَفِ مَا صُبِـغَ بِهِ.

الشّرْحُ :

المَوات ، بالفتح : ما لا حياة فيه . وأرضٌ موات ، أي قَفْر ، والساكن هاهنا كالأرض والجبال . وذو الحركات : كالنار والماء الجاري والحيوان . ونعَقت في أسماعنا دلائله ، أي صاحت دلائله ؛ لظهورها كالأصوات المسموعة التي تُعلَم يقيناً . وأخاديد الأرض : شقوقها ، جمع أُخْدُود . وفجاجها : جمع فَجّ ؛ وهو الطريق بين الجبَلين . ورواسي أعلامها : أثقال جبالها . وصرَّفة في زمام التّسخير ، أي هي مسخّرة تحت القدرة الإلهية . وحِقاق المفاصل : جمع حُقّ ؛ وهو مجمع المفصلين من الأعضاء كالركبة ؛ وجعلها محتجبة ؛ لأنها مستورة بالجلد واللّحم . وعَبَالة الحيوان : كثافة جَسده . والخفوف : سرعة الحركة . والدفيف للطائر : طيرانه فُوَيق الأرض ؛ يقال : عُقاب دَفُوف . ونسقها : رتبها . والأصابيغ : جمع أصْباغ ، وأصباغ جمع صِبْغ . والمغموس الأوّل : هو ذو اللون الواحد كالأسود والأحمر . والمغموس الثاني : ذو اللونين ، نحو أن يكون أحمر وعنقه خضراء .
وروي : « قد طورق لون » أي لون على لون ، كما تقول : طارقت بين الثوبين .
فإن قلت : ما هذه الطيور التي يسكن بعضها الأخاديد وبعضها الفِجاج ، وبعضها رؤوس الجبال؟
قلت : أمّا الأول فكالقطا والصّدا ۱ ، والثاني كالقَبج ۲ والطّيهوج ۳ ، والثالث كالصّقر والعُقاب .

1.الصدا : ذكر البوم .

2.القبج ، واحده القبجة ؛ وهي أُنثى الحجل .

3.الطيهوج : طائر شبيه بالحجل الصغير ، غير أن عنقه أحمر ومنقاره ورجلاه حمر .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95674
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي