يقول عليه السلام : إنّ الطاووس يُزْهَى بنفسه ؛ ويتيه إذا نَظَر في أعطافه ، ورأى ألوانَه المختلفة ؛ فإذا نظر إلى ساقَيْه وَجَم لذلك وانكسر نشاطه وزهوه ، فصاح صياح العويل لحزنه ؛ وذلك لدِقّة ساقيه ونُتُوء عُرقوبَيْه .
الأصْلُ :
۰.وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ ، وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ . وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كالاْءِبْرِيقِ ، وَمَغَرزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَـمَانِيَّةِ ، أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ ، وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ ؛ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ ، وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ . وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ ، أَبْيَضُ يَقَقٌ ، فَهُوَ بِبَياضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ . وَقَلَّ صِبْغٌ إلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ ، وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ ، وَبَرِيقِهِ ، وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ ، فَهُوَ كَالْأَزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ ، وَلاَ شُمُوسُ قَيْظٍ .
الشّرْحُ :
نَجَمَتْ : ظهرتْ . والظُّنبوب : حَرْف الساق ؛ وهو هذا العظْم اليابس . والصِّيصَية في الأصل : شوكة الحائك التي يسوّى بها السّدَاةَ واللّحمة . ونقل إلى صِيصِيَة الديك لتلك الهيئة التي في رجله . والعُرْف : الشعر المرتفع من عُنقه على رأسه . والقُنْزُعة ، واحدة القنازع ؛ وهي الشَّعر حوالي الرأس . وموشّاة : ذات وشْي . والوسِمة ، بكسر السين : العِظْلِم الّذي يُخْضَب به ؛ ويجوز تسكينُ السِّين . والأسحم : الأسود . والمتلفّع : الملتحف ، ويروى : « متقنّع بِمعْجَر » ؛ وهو ما تشدُّه المرأة على رأسها كالرِّداء . والأقحوان : البابونج الأبيض ؛ وجمعه أُقاح . وأبيض يَقَق : خالص البياض ، وجاء : « يقِق » بالكسر . ويأتلق : يلمع . والبصيص : البريق ، وبصّ الشيء : لَمَع . وتربُّها الأمطار : تربّيها وتجمعها .
يقول عليه السلام : كأنّ هذا الطائرَ ملتحِفٌ بملحفة سوداء ، إلاّ أنها لكثرة رونقها يتوهّم أنه قد امتزج بها خضرة ناضرة ، وقلّ أن يكون لون إلاّ وقد أخذ هذا الطائر منه بنصيب ، فهو كأزاهير الربيع ، إلاّ أنّ الأزهار تربّيها الأمطار والشموس ؛ وهذا مستغنٍ عن ذلك .