565
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ ، وَيَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ ، فَيَسْقُطُ تَتْرَى ، وَيَنْبُتُ تِبَاعاً ، فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ ، ثُمَّ يَتَـلاَحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ ، لاَ يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ ، وَلاَ يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ ! وَإِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً ، وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً ، وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً ، فَكَيْفَ تَصِلُ إِلَى صِفَةِ هذَا عَمَائِقُ الْفِطَنِ ، أَوْ تَبْلُغُهُ قَرَائِحُ الْعُقُولِ ، أَوْ تَسْتَنْظِمُ وَصْفَهُ أَقْوَالُ الْوَاصِفِينَ ! وَأَقَلُّ أَجْزَائِهِ قَدْ أَعْجَزَ الْأَوهَامَ أَنْ تُدْرِكَهُ ، وَالألسِنَةَ أَنْ تَصِفَهُ!
فَسُبْحَانَ الَّذِي بَهَرَ الْعُقُولَ عَنْ وَصْفِ خَلْقٍ جَلاَّهُ لِلْعُيُونِ ، فَأَدْرَكَتْهُ مَحْدُوداً مُكَوَّناً ، وَمُؤلَّفاً مُلَوَّناً ؛ وَأَعْجَزَ الْأَلْسُنَ عَنْ تَلْخِيصِ صِفَتِهِ ، وَقَعَدَ بِهَا عَنْ تَأدِيَةِ نَعْتِهِ!
وَسُبْحَانَ مَنْ أَدْمَجَ قَوَائِمَ الذَّرَّةِ وَالْهَمَجَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُمَا مِنْ خَلْقِ الْحِيتَانِ وَالْفِيَلَةِ ! وَوَأَى عَلَى نَفْسِهِ أَلاَّ يَضْطَرِبَ شَبَحٌ مِمَّا أَوْلَجَ فِيهِ الرُّوحَ ، إِلاَّ وَجَعَلَ الْحِمَامَ مَوْعِدَهُ ، وَالْفَنَاءَ غَايَتَهُ .

الشّرْحُ :

ينحسر من ريشه : ينكشف فيسقط ، ويروى : « يتحسّر » . تَتْرى ، أي شيئا بعد شيء وبينهما فترة ، قال اللّه تعالى : « ثُمَّ أَرْسَلْنَآ رُسُلَنَا تَتْرَى »۱ ؛ لأ نّه لم يرسلهم على تراسل ، بل بعد فترات ؛ وهذا مما يغلط فيه قومٌ ، فيعتقدون أنّ « تَتْرَى » للمواصلة والالتصاق . وأصلها الواو من « الوَتْر » وهو الفرد .
قال عليه السلام : « وينبُت تباعا » أي لا فترات بينهما ، وكذلك حال الريش الساقط ، يسقط شيئا بعد شيء ، وينبت جميعا . وينحتّ : يتساقط ، وانحتاتُ الورق : تناثرها . ونامياً : زائدا . يقول عليه السلام : إذا عاد ريشة عادَ مكان كلّ ريشه ريشةٌ ملوّنة بلون الريشة الأُولى ، فلا يتخالف الأوائل والأواخر . والخضرة الزّبرجديَّة : منسوبة إلى الزمرّد ، ولفظة« الزّبرجد » تارة

1.سورة المؤمنين ۴۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
564

يقول عليه السلام : إنّ الطاووس يُزْهَى بنفسه ؛ ويتيه إذا نَظَر في أعطافه ، ورأى ألوانَه المختلفة ؛ فإذا نظر إلى ساقَيْه وَجَم لذلك وانكسر نشاطه وزهوه ، فصاح صياح العويل لحزنه ؛ وذلك لدِقّة ساقيه ونُتُوء عُرقوبَيْه .

الأصْلُ :

۰.وَقَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ ، وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ . وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كالاْءِبْرِيقِ ، وَمَغَرزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَـمَانِيَّةِ ، أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ ، وَكَأَنَّهُ مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ ؛ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ ، وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ ، أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ . وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ ، أَبْيَضُ يَقَقٌ ، فَهُوَ بِبَياضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ . وَقَلَّ صِبْغٌ إلاَّ وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ ، وَعَلاَهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ ، وَبَرِيقِهِ ، وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ ، فَهُوَ كَالْأَزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ ، لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ ، وَلاَ شُمُوسُ قَيْظٍ .

الشّرْحُ :

نَجَمَتْ : ظهرتْ . والظُّنبوب : حَرْف الساق ؛ وهو هذا العظْم اليابس . والصِّيصَية في الأصل : شوكة الحائك التي يسوّى بها السّدَاةَ واللّحمة . ونقل إلى صِيصِيَة الديك لتلك الهيئة التي في رجله . والعُرْف : الشعر المرتفع من عُنقه على رأسه . والقُنْزُعة ، واحدة القنازع ؛ وهي الشَّعر حوالي الرأس . وموشّاة : ذات وشْي . والوسِمة ، بكسر السين : العِظْلِم الّذي يُخْضَب به ؛ ويجوز تسكينُ السِّين . والأسحم : الأسود . والمتلفّع : الملتحف ، ويروى : « متقنّع بِمعْجَر » ؛ وهو ما تشدُّه المرأة على رأسها كالرِّداء . والأقحوان : البابونج الأبيض ؛ وجمعه أُقاح . وأبيض يَقَق : خالص البياض ، وجاء : « يقِق » بالكسر . ويأتلق : يلمع . والبصيص : البريق ، وبصّ الشيء : لَمَع . وتربُّها الأمطار : تربّيها وتجمعها .
يقول عليه السلام : كأنّ هذا الطائرَ ملتحِفٌ بملحفة سوداء ، إلاّ أنها لكثرة رونقها يتوهّم أنه قد امتزج بها خضرة ناضرة ، وقلّ أن يكون لون إلاّ وقد أخذ هذا الطائر منه بنصيب ، فهو كأزاهير الربيع ، إلاّ أنّ الأزهار تربّيها الأمطار والشموس ؛ وهذا مستغنٍ عن ذلك .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95605
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي