597
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الْمُتَذَكِّرُونَ ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ . فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ يَقُولُ : يَابْنَ آدَمَ ، اعْمَلِ الْخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ ، فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ .

الشّرْحُ :

إنما جعله حبْل اللّه ؛ لأنّ الحبْل ينجو من تعلّق به من هوّة ، والقرآن ينجو من الضلال مَنْ يتعلّق به . وجعله متينا ، أي قويّا ؛ لأ نّه لا انقطاع له أبداً ، وهذه غاية المتانة والقوّة . ومَتُن الشيء ، بالضم ، أي صُلب وقوِيَ . وسببه الأمين ، مثل حَبْله المتين ؛ وإنّما خالف بين اللفظين على قاعدة الخطابة . وفيه ربيع القلب ؛ لأنّ القلب يحيا به كما تحيا الأنعام برَعْيِ الربيع . وينابيع العلم ؛ لأنّ العلم منه يتفرّع كما يخرج الماء من الينبوع ويتفرّع إلى الجداول . والجلاء ، بالكسر : مصدر جلوْتُ السيف ؛ يقول : لا جِلاَء لصدأ القلوب من الشُّبُهات والغفلات إلاّ القرآن .
ثم قال : إنّ المتذكِّرين قد ذهبوا وماتوا ، وبَقِيَ النّاسون الَّذِين لا علومَ لهم ، أو المتناسون الذين عندهم العلوم ، ويتكلفون إظهار الجهل لأغراض دنيوية تعرض لهم ، وروي : « والمتناسون » بالواو . ثم قال : أعينوا على الخير إذا رأيتموه ، بتحسينه عند فاعله ، وبدفع الأُمور المانعة عنه ، وبتسهيل أسبابه وتسنية سبله ، وإذا رأيتم الشرّ فاذهبوا عنه ، ولا تقاربوه ولا تقيموا أنفسَكم في مقام الراضي به ، الموافق على فعله . ثم روى لهم الخبر . والجواد القاصد : السهل السّيْر ، لا سريع يتعَب بسرعته ، ولا بطيء يفوتُ الغرض ببطئه .

الأصْلُ :

۰.أَلاَ وَإنَّ الظُّلْمَ ثَلاَثَةٌ : فَظُلْمٌ لاَ يُغْفَرُ ، وَظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ ، وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ .
فَأَمَّا الظُّلمُ الَّذِي لاَ يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللّه ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» .
وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
596

الْحَلاَلَ مَا أَحَلَّ اللّهُ ، وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللّهُ . فَقَدْ جَرَّبْتُمُ الْأُمْورَ وَضَرَّسْتُمُوهَا ، وَوُعِظْتُمْ بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَضُرِبَتِ لَكُم الْأَمْثَالُ ، وَدُعِيتُمْ إِلَى الْأَمْرِ الْوَاضِحِ ؛ فَـلاَ يَصَمُّ عَنْ ذلِكَ إِلاَّ أَصَمُّ ، وَلاَ يَعْمَى عَنْ ذلِكَ إِلاَّ أَعْمَى . وَمَنْ لَمْ يَنْفَعْهُ اللّهُ بِالْبَلاَءِ وَالتَّجَارِبِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِشَيْءٍ مِنَ الْعِظَةِ ، وَأَتَاهُ الْتَّقْصِيرُ مِنْ أَمَامِهِ ، حَتَّى يَعْرِفَ مَا أَنْكَرَ ، وَيُنْكِرَ مَا عَرَفَ . فأنّ النَّاسُ رَجُلاَنِ : مُتَّبِعٌ شِرْعَةً ، وَمُبْتَدِعٌ بِدْعَةً ، لَيْسَ مَعَهُ مِنَ اللّهِ سُبْحَانَهُ بُرْهَانُ سُنَّةٍ ، وَلاَ ضِياءُ حُجَّةٍ .

الشّرْحُ :

يقول : إنّ الأحكام الشرعيّة لا يجوز بعد ثبوت الأدلّة عليها من طريق النصّ أن تُنقَضَ باجتهاد وقياس ؛ بل كلّ ماورد به النصّ تُتّبع مورد النصّ فيه ، فما استحللته عاماً أوّل ؛ فهو في هذا العام حلال لك ؛ وكذلك القول في التحريم . وقال : « إنّ ما أحدث الناسُ لا يُحِلُّ لكم شيئاً مما حُرّم عليكم » ، أي ما أحدثوه من القياس والاجتهاد .
قوله : « وضرّستموها » بالتشديد أي أحكمتموها تجربةً وممارسة ، يقال : قد ضرّستْه الحرب ، ورجل مضرّس . قوله : « فلا يَصمّ عن ذلك إلاّ أصمّ » أي لا يَصمّ عنه إلاّ من هو حقيق أن يقال عنه : إنه أصمّ ، كما تقول : ما يجهل هذا الأمر إلاّ جاهل ؛ أي بالغ في الجهل . ثم قال : « مَنْ لم ينفعه اللّه بالبلاء » أي بالامتحان والتجربة ، لم تنفعه المواعظ ؛ وجاءه النقص من بين يديه حتى يتخيّل فيما أنكره أنه قد عرفه ، وينكِر ما قد كان عارفا به . وسمّى اعتقاد العرفان وتخيّله « عرفاناً » على المجاز . ثم قسّم النّاس إلى رجلين : إمّا متّبع طريقةً ومنهاجاً ، أو مبتدِعٌ ما لا يعرف ؛ وليس بيده حجّة ، فالأوّل المحقّ والثاني المبطِل . والشِّرعة : المنهاج . والبرهان : الحجة .

الأصْلُ :

۰.فَإِنَّ اللّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَعِظْ أَحَداً بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ حَبْلُ اللّهِ الْمَتِينُ ، وَسَبَبُهُ الْأَمِينُ ، وَفِيهِ رَبِيعُ الْقَلْبِ ، وَيَنَابِيعُ الْعِلْمِ ، وَمَا لِلْقَلْبِ جِلاَءٌ غَيْرُهُ ، مَعَ أنـّهُ قَدْ ذَهَبَ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95657
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي