الْمُتَذَكِّرُونَ ، وَبَقِيَ النَّاسُونَ أَوِ الْمُتَنَاسُونَ . فَإِذَا رَأَيْتُمْ خَيْراً فَأَعِينُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا رَأَيْتُمْ شَرّاً فَاذْهَبُوا عَنْهُ ، فَإِنَّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّم كَانَ يَقُولُ : يَابْنَ آدَمَ ، اعْمَلِ الْخَيْرَ وَدَعِ الشَّرَّ ، فَإِذَا أَنْتَ جَوَادٌ قَاصِدٌ .
الشّرْحُ :
إنما جعله حبْل اللّه ؛ لأنّ الحبْل ينجو من تعلّق به من هوّة ، والقرآن ينجو من الضلال مَنْ يتعلّق به . وجعله متينا ، أي قويّا ؛ لأ نّه لا انقطاع له أبداً ، وهذه غاية المتانة والقوّة . ومَتُن الشيء ، بالضم ، أي صُلب وقوِيَ . وسببه الأمين ، مثل حَبْله المتين ؛ وإنّما خالف بين اللفظين على قاعدة الخطابة . وفيه ربيع القلب ؛ لأنّ القلب يحيا به كما تحيا الأنعام برَعْيِ الربيع . وينابيع العلم ؛ لأنّ العلم منه يتفرّع كما يخرج الماء من الينبوع ويتفرّع إلى الجداول . والجلاء ، بالكسر : مصدر جلوْتُ السيف ؛ يقول : لا جِلاَء لصدأ القلوب من الشُّبُهات والغفلات إلاّ القرآن .
ثم قال : إنّ المتذكِّرين قد ذهبوا وماتوا ، وبَقِيَ النّاسون الَّذِين لا علومَ لهم ، أو المتناسون الذين عندهم العلوم ، ويتكلفون إظهار الجهل لأغراض دنيوية تعرض لهم ، وروي : « والمتناسون » بالواو . ثم قال : أعينوا على الخير إذا رأيتموه ، بتحسينه عند فاعله ، وبدفع الأُمور المانعة عنه ، وبتسهيل أسبابه وتسنية سبله ، وإذا رأيتم الشرّ فاذهبوا عنه ، ولا تقاربوه ولا تقيموا أنفسَكم في مقام الراضي به ، الموافق على فعله . ثم روى لهم الخبر . والجواد القاصد : السهل السّيْر ، لا سريع يتعَب بسرعته ، ولا بطيء يفوتُ الغرض ببطئه .
الأصْلُ :
۰.أَلاَ وَإنَّ الظُّلْمَ ثَلاَثَةٌ : فَظُلْمٌ لاَ يُغْفَرُ ، وَظُلْمٌ لاَ يُتْرَكُ ، وظُلْمٌ مَغْفُورٌ لاَ يُطْلَبُ .
فَأَمَّا الظُّلمُ الَّذِي لاَ يُغْفَرُ فَالشِّرْكُ بِاللّه ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ» .
وَأَمَّا الظُّلْمُ الَّذِي يُغْفَرُ فَظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ عِنْدَ بَعْضِ الْهَنَاتِ .