607
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

لكن الشارح وجد فرصة للتشفي من الشيعة عموماً فاعتبر أن الدعاء كان عليهم وأن دعوة الإمام أُجيبت فيهم . لا يا شريح ليس كذلك . فالإمام لم يدع على شيعته ، وإنما دعاؤه على الفرقة التي ابتُلي بها ، والتي إذا أمر لم تُطع ، وإذا دعا لم تُجب . ثم تبرأ من صحبتهم له ، ولم يستكثر بجمعهم ، ولا أحسب أن هذه الفرقة التي عناها تعدو الخوارج ، فالنعوت التي نعتها بها هي ألصق بهم .
وتعميم الشارح ان دعوة الإمام المستجابة كانت على شيعته ، هذا التعميم تفوح منه رائحة العداء والتشفّي ، وهي بالتالي شنشة نعرفها من أخزم .
وذكره للأيام الأموية تحرير لمقولته وتغطية لها ، وإلاّ فالشيعة لاقت من بني العباس أضعاف ما لاقته من أُمية .
والخطبة التالية تشهد على ما قلناه .
إنما الشيعة ، اولئك الذين اخلصوا الولاء لإمامهم ، وعرفوه حق معرفته وإن لم يعرفه على حقيقته ، وأنزلوه منزلته التي أنزله اللّه ورسوله ، ثم هم أطوع له ومتّبعوه اتباع الفصيل لأُمّه .
وأخيراً وإن صح ما لاقته الشيعة زمن أُميّة من اضطهاد وظلم وعسف وجور إلاّ أنهم ليسوا المدعو عليهم ، ولا يصح بحال اعتبارهم من اولئك ، إذ أئمتهم عليهم السلام كانوا بين ظهرانيهم ولاقوا من بني أُميّة ما لاقوه .
ثم أقسم أ نّه إذا جاء يومُه لتكونَنّ مفارقته لهم عن قِلىً ؛ وهو البغض ، وأدخل حَشْوةً بين أثناء الكلام ، وهي « ليأتينّي » وهي حشوة لطيفة . والواو في قوله : « وأنا لِصُحْبَتكُمْ » ، واو الحال ، وكذلك الواو في قوله : « وبكم غير كثير » ؛ وقوله : « غير كثير » لفظ فصيح .
قوله : « للّه أنتم » للّه ، في موضع رفع ؛ لأ نّه خبر عن المبتدأ الذي هو « أنتم » ، ومثله : للّه دَرّ فلان ! وللّه بلادُ فُلان ! وللّه أبوك ! اللام هاهنا فيها معنى التعجّب ؛ والمراد بقوله : « للّه أنتم » للّه سعيكم ، أو للّه عملكم ، كما قالوا « للّه دَرّك ! » ، أي عملك ، فحذِف المضاف ، وأُقيم الضمير المنفصل المضاف إليه مقامه . قوله عليه السلام : « أما دينٌ يجمعكم ! » ارتفاع « دين » على أ نّه فاعل فعلٍ مقدّر له ، أي أما يجمعكم دين يجمعكم ! اللفظ الثّاني مفسر للأول كما قدرناه بعد « إذا » في قوله سبحانه : « إذَا السَّمَاء انشَقَّت » ويجوز أن يكون « حَمِيّة »مبتدأ ، والخبر محذوف تقديره : أما لكم حميّة ! والحمِيّة : الأنَفة . وشحذتُ النّصل : أحددته .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
606

الشّرْحُ :

قضى وقدّر في هذا الموضع واحد . ويروى : « على ما ابتلاني » . وأُهمِلْتُم : خَلّيتم وترِكتم ، ويروى : « أمْهلتم » ، أي أخّرتم . وخرتم : ضعفتم ، والخَوَرُ : الضّعف ؛ رجل خَوّار ، ورمح خوّار ، وأرض خوّارة ، والجمع خُور . ويجوز أن يكون « خرتم » ، أي صحتم ، كما يخور الثَّوْر ، ومنه قوله تعالى : « عجِلاً جَسَدا لَهُ خُوَارٌ »۱ . ويروى : «جُرْتُم » أي عدلتم عن الحرب فرارا . وأُجِئْتُم : أُلجِئتُم ، قال تعالى : « فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ »۲ . والمشاقّة : المقاطعة والمصارمة . ونكصتم : أحجمتُم ، قال تعالى : « فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ »۳ ، أي رجع محجِما ، أي دعيتم إلى كشف القناع مع العدو وجبنتم وهبتموه .
قوله : « الموت أو الذلّ لكم » ، دعاء عليهم بأنْ يصيبَهم أحد الأمرين ، كأنه شرعَ داعيا عليهم بالفناء الكلّي ؛ وهو الموت ؛ ثم استدرك فقال : « أو الذلّ » ؛ لأ نّه نظير الموت في المعنى ؛ ولكنّه في الصورة دونه ؛ ولقد أُجِيب دعاؤه عليه السلام بالدّعوة الثانية ؛ فإنّ شيعته ذَلُّوا بعدُ في الأيّام الأُمويّة ؛ حتى كانوا كفَقْع قَرْقر ۴ .
أولاً ـ الخطبة في ذم العصاة ممن كان معه ، وحتى لا يصح تسميتهم بأصحابه . فالعصيان مضاد للصحبة .
ثانياً ـ على فرض هم أصحابه فإن الخوارج المارقين من الدين كانوا في جملة أصحابه عليه السلام فهؤلاء لا يُسمّون شيعة البتة . وهل يعتبرهم الشارح شيعته ، باعتبارهم كانوا من أصحابه في يوم ما ؟! إن هذا لظلم عظيم .
ثالثاً ـ معلوم بالبداهة أن الجيش الذي كان يقاتل معه فيهم الشيعة المطيعون ، والأصحاب المخلصون ، ومن جاء من أفناء الناس طمعاً في الحصول على مغنم ، والبعض لهم ثارات يطلبونها ينتهزون الفرصة للانتقام من واتريهم فينتقمون منهم في أي صف كانوا .

1.سورة طه ۸۸ .

2.سورة مريم ۲۳ .

3.الصواب : « فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ ...» سورة الأنفال : ۴۸ . وأمّا «تَرَاءى الْجَمْعَانِ» ، فهي جزء من آية ۶۱ من سورة الشعراء .

4.الفقع : ضرب من أردأ الكمأة ، والقرقر : المكان المستوي الأملس ؛ ويشبه به الرجل الذليل ؛ فيقال : هو أذل من فقع بقرقر ؛ لأنّ الدواب تنجله بأرجلها .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 97532
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي