بِعَيْنِهِ ، وَنَوَاصِيكُمْ بِيَدِهِ ، وَتَقَلُّبُكُمْ فِي قَبْضَتِهِ .إِنْ أَسْرَرْتُمْ عَلِمَهُ ، وَإِنْ أَعْلَنْتُمْ كَتَبَهُ؛ قَدْ وَكَّلَ بِذلِكَ حَفَظَةً كِرَاماً ، لاَ يُسْقِطُونَ حَقّاً ، وَلاَ يُثْبِتُونَ بَاطِلاً . وَاعْلَمُوا أنـّهُ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً مِنَ الْفِتَنِ ، وَنُوراً مِنَ الظُّلَمِ ، وَيُخَلِّدْهُ فِيَما اشْتَهَتْ نَفْسُهُ ، وَيُنْزِلْهُ مَنْزِلَ الْكَرَامَةِ عِنْدَهُ ، فِي دَارٍ اصْطَنَعَهَا لِنَفْسِهِ ؛ ظِلُّهَا عَرْشُهُ ، وَنُورُهَا بَهْجَتُهُ ، وَزُوَّارُهَا مَلآئِكَتُهُ ، وَرُفَقَاؤهَا رُسُلُهُ .
فَبَادِرُوا الْمَعَادَ ، وَسَابِقُوا الآجَالَ ، فَإِنَّ النَّاسَ يُوشِكُ أَنْ يَنْقَطِعَ بِهِمُ الْأَمَلُ ، وَيَرْهَقَهُمُ الْأَجَلُ ، وَيُسَدَّ عَنْهُمْ بَابُ التَّوْبَةِ . فَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي مِثْلِ مَا سَأَلَ إِلَيْهِ الرَّجْعَةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَأَنْتُمْ بَنُو سَبِيلٍ ، عَلَى سَفَرٍ مِنْ دَارٍ لَيْسَتْ بِدَارِكُمْ ، وَقَدْ أُوذِنْتُمْ مِنْهَا بِالاِرْتِحَالِ ، وَأُمِرْتُمْ فِيهَا بِالزَّادِ .
الشّرْحُ :
جعل القرآن آمرا وزاجراً ، لمّا كان خالقه ـ وهو اللّه سبحانه ـ آمرا زاجراً به ، فأسنَد الأمر والزجْر إليه ؛ كما تقول : سيف قاتل ، وإنما القاتل الضارب به ، وجعله صامتاً ناطقاً ؛ لأ نّه ـ من حيث هو حروف وأصوات ـ صامت ، إذ كان العرَض يستحيل أن يكون ناطقاً ؛ لأنّ النطق حركة الأداة بالكلام ، والكلام يستحيل أن يكون ذا أداة ينطَق بالكلام بها ؛ وهو من حيث يتضمّن الإخبار والأمر والنهي والنداء وغير ذلك من أقسام الكلام ، كالناطق ؛ لأنّ الفهم يقع عنده ، وهذا من باب المجاز كما تقول : هذه الربوع الناطقة ، وأخبرتني الديار بعد رحيلهم بكذا . ثم وصفه بأنّه حجّة اللّه على خلْقه ؛ لأ نّه المعجزة الأصليّة .
أخذ سبحانه على الخلائق ميثَاقَه ، وارتهن عليه أنفسهم ، لَمّا كانَ سبحانه قد قرّر في عقول المكلّفين أدلّة التوحيد والعدل ، ومن جملة مسائل العدْل النبوّة ، ويثبت نبوّة محمد صلى الله عليه و آله وسلمعَقْلاً ، كان سبحانه بذلك كالآخذ ميثاقَ المكلّفين بتصديق دعوته ، وقبول القرآن الّذي جاء ، وجعل به نفسهم رَهْنا على الوفاء بذلك ، فمن خالف خَسِرَ نفسَه ، وهلَك هلاك الأبَد . هذا تفسير المحقّقين ، ومن الناس منْ يقول : المراد بذلك قصّة الذريّة قبل خلق آدم عليه السلام ، كما ورد في الأخبار ، وكما فسّر قوم عليه الآية .