641
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

لا فُحْشَ له أصلا ، فكنى عن العَدم بالبعد ؛ لأ نّه قريب منه . « ليّنا قوله » ، العارف بسّام طلْق الوجه ، ليّن القوْل ، وفي صفات النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « ليس بفَظّ ولا صَخّاب » . قوله : « في الزلازل وقور » ، أي لا تحرّكه الخطوب الطارقة . « لا يحيفُ على من يُبغض » ، هذا من الأخلاق الشريفة النبوية . « يعترف بالحق قبل أن يُشهد عليه » ؛ لأ نّه إن أنكر ثم شُهد عليه فقد ثبت كذبه ، وإن سكت ثم شُهد عليه فقد أقام نفسَه في مقام الرِّيبة . قوله : « ولا ينابز بالألقاب » ، هذا من قوله تعالى : « وَلاَ تَنَابَزُوا بالألْقَابِ »۱ . « ولا يضارّ بالجار » ، في الحديث المرفوع : « أوصانِي ربّي بالجار حتى ظنَنتُ أن يورّثه » . قوله : « ولا يشمت بالمصائب » ، نظير قول الشاعر :

فَلَسْتَ تَرَاهُ شَامِتا بمصِيبَةٍوَلاَ جَزِعا منْ طارِقِ الحدَثَان
قوله : « إن صمت لم يغمّه صمته » ، أي لا يحزن لفوَات الكلام ؛ لأ نّه يَرى الصّمت مغنماً لا مغرماً . « وإن ضحك لم يعلُ صوتُه » ، هكذا كان ضحكُ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، أكثره التبسّم ، وقد يفرُّ أحياناً ، ولم يكن من أهل القهقهة والكَرْكَرة . قول : « وإن بُغي عليه صَبَر » ، هذا من قول اللّه تعالى : « ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنّهُ اللّهُ »۲ . قوله : « نفسه منه في عناء » ؛ لأ نّه يتعبُها بالعبادة ، والناس لا يلقون منه عَنَتا ولا أذىً ، فحالهم بالنسبة إليه خلاف حال نفسه بالنسبة إليه .
قوله : « فصعق همام » ، أُغمي عليه ومات ، قال اللّه تعالى : « فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ »۳ . قوله : « كانت نفسه فيها » ، أي مات .
« ونفثَ الشيطان على لسانك » ، أي تكلّم بلسانك ، وأصله النفخ بالفم ، وهو أقل من التّفل ؛ وإنّما نهى أمير المؤمنين القائل : « فهلاّ أنت يا أمير المؤمنين ! » ؛ لأ نّه اعترض في غير موضع الاعتراض ، وذلك أنه لا يلزم من موت العاميّ عند وعظ العارف أن يموتَ العارف عند وعظ نفسه ؛ لأنّ انفعال العاميِّ ذي الاستعداد التامّ للموت عند سماع المواعظ البالغة أتمّ من استعداد العارف عند سماع كلام نفسه ؛ أو الفكر في كلام نفسه ، لأنّ نفس العارف قوية جدّا ، والآلة التي يحفر بها الطين قد لا يحفر بها الحجَر .
فإن قلتَ : فإنّ جواب أمير المؤمنين عليه السلام للسائل غيرُ هذا الجواب!

1.سورة الحجرات ۱۱ .

2.سورة الحج ۶۰ .

3.سورة الزمر ۶۸ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
640

ثواب اللّه ونعيمه ؛ لذا استدلّ على وصوله إليه وقوِي ظنّه بظفره به ، بما عَجّل اللّه تعالى له من الفضل والرحمة في الدنيا ، ومقامُ الرجاء للعارفين مقام شريف ، وهو في مقابلة مقام الخوف ، وهو المقام الذي يوجد العارف فيه فرحا . قوله عليه السلام : « إن استصعبَتْ عليه نفسُه » ، أي صارت صعبة غير منقادة ؛ يقول : إذا لم تطاوعْه نفسُه إلى ما هي كارهة له لم يعطِها مرادها فيما تحبّه . قوله عليه السلام : « قرّة عينه فيما لا يزول ، وزهادته فيما لا يبقى » ، يقال للفرِح المسرور : إنّه لَقَرِير العين ، وقرّت عينُه تقرّ ، والمراد بردُها ؛ لأنّ دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارّة .
وهذا الكلام يحتمل أمرين :
أحدُهما : أن يعنِيَ بما لا يزول البارئ سبحانه ، وهذا مقام شريف جدّا أعظم من سائر المقامات ، وهو حبّ العارف للّه سبحانه .
وثانيهما : أن يريد بما لا يزول ، نعيمَ الجنة ، وهذا أدونُ المقاميْن ؛ لأنّ الخلّص من العارفين يحبّونه ويعشقونه سبحانه لذاته ، لا خوفاً من النار ، ولا شوقاً إلى الجنة .
وقد جاء في كلام أمير المؤمنين عليه السلام ، من هذا الكثير ، نحو قوله : « لم أعبدْه خوفاً ولا طمعاً ، لكنّي وجدته أهلاً للعبادة فعبدته » .
قوله عليه السلام : « يمزج الحلم بالعلم » ، أي لا يحلُم إلاّ عن علم بفضل الحلم ليس كما يحلم الجاهلون . « والقول بالعمل » ، أي لا يقتصر على القول . قوله عليه السلام : « تراه قريبا أملُه » ، أي ليست نفسه متعلّقةً بما عظُم من آمال الدنيا ؛ وإنّما قُصَارى أمره أن يؤمّل القوت والملبس . قليلاً زلله : أي خطؤه . « منزورا أكله » ، أي قليلاً ، ويحمَد من الإنسان الأكل النزر . « مكظوماً غيظُه » كَظم الغيظِ من الأخلاق الشريفة .
قوله : « إن كان في الغافلين » ، معناه أ نّه لا يزال ذاكرَ اللّه تعالى ، سواء كان جالسا مع الغافلين أو مع الذاكرين ؛ أمّا إذا كان مع الغافلين فإنه يذكر اللّه بقلْبِه ، وأمّا إذا كان مع الذّاكرين فإنه يذكره بقلبه ولسانه . قوله عليه السلام : « يعفُو عمّن ظَلَمه ، ويعطي من حرمه ، ويصل مَنْ قطعه » مِن كلام المسيح عليه السلام في الإنجيل : « أحبّوا أعداءكم ، وصلُوا قاطعِيكم ، واعفوا عن ظالِمِيكم ، وباركوا عليّ لأُعينَكم ؛ لكي تكونوا أبناء أبِيكم الّذي في السماء ، الذي تشرق شمسُه على الصّالحين والفَجَرة ، وينزل مَطَرُه على المطيعين والأثَمة » .
قوله عليه السلام : « بعيداً فُحْشُه » ، ليس يعني به أ نّه قد يُفْحِش تارة ، ويترك الفحش تارات ، بل

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95580
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي