651
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

واضطراب . وتقصفها العواصف : تضربها بشدّة ضربا بعد ضرب . والعواصف : الرياح القوية . اللّجج : جمع لُجّة ، وهي معظم البحر . الوبِق : الهالك ، وبَق الرجل بالفتح ، يبِقُ وبوقاً : هلك ، والموْبِق منه كالموعِد « مفعِل » من وعد يعِد ، ومنه قوله تعالى : « وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقا »۱ ؛ وأوبقه اللّه ، أي أهلكه . وتحفزه الرياح ، تدفعه . ضرب عليه السلام لأهل الدنيا مثلاً براكبي السَّفينة في البحر ، وقد مادَتْ بهم ، فمنهم الهالك على الفور ، ومنهم مَنْ لا يتعجّل هلاكه ، وتحمله الرياح ساعة أو ساعات ، ثم مآله إلى الهلاك أيضا .
ثم أمَرَ عليه السلام بالعمل وقتَ الإمكان قبل ألاّ يمكن العمل ، فكنَى عن ذلك بقوله : والألسن منطلِقة ؛ لأنّ المحتضَر يُعتقل لسانه ، والأبدان صحيحة ؛ لأنّ المحتَضر سقيم البدن . والأعضاء لدْنة ، أي لينة ، أي قبل الشيخوخة والهرَم ويبس الأعضاء والأعصاب . والمنقَلب فسيح ، والمجال عريض ، أي أيام الشبيبة وفي الوقت والأجل مهلة ، قبل أن يضيق الوقت عليكم . قبل إرهاق الفوت ، أي قبل أن يجعلكم الفوت ـ وهو فوات الأمر وتعذّر استدراكه عليكم ـ مرهَقين ، والمرهَق : الذي أُدرك ليقتل .
قوله : « فحقِّقوا عليكم نزوله ، ولا تنتظروا قدومه » ، أي اعملوا عمل مَنْ يشاهد الموت حقيقة ، لا عمل مَنْ ينتظره انتظارا ويطاول الأوقات مطاولة ، فإنّ التسويف داعية التقصير .

190

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَلَقَدْ عَلِمَ الْمُسْتَحْفِظُونَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وسلّم ، أَنِّي لَمْ أَرُدَّ عَلَى اللّهِ وَلاَ عَلَى رَسُولِهِ سَاعَةً قَطُّ . وَلَقَدْ وَاسَيْتُهُ بِنَفْسِي فِي الْمَوَاطِنِ الَّتي تَنْكُصُ فِيهَا الأبْطَالُ ، وَتَتَأَخَّرُ فِيهَا الْأَقْدَامُ ، نَجْدَةً أَكْرَمَنِي اللّهُ بِهَا .

1.سورة الكهف ۵۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
650

189

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامبَعَثَهُ حِينَ لاَ عَلَمٌ قَائِمٌ ، وَلاَ مَنَارٌ سَاطِعٌ ، وَلاَ مَنْهَجٌ وَاضِحٌ .
أُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللّهِ ـ بِتَقْوَى اللّهِ ، وَأُحَذِّرُكُمُ الدُّنْيَا ، فإِنَّهَا دَارُ شُخُوصٍ ، وَمَحَلَّةُ تَنْغِيصٍ ، سَاكِنُهَا ظَاعِنٌ ، وَقَاطِنُهَا بَائِنٌ . تَمِيدُ بِأَهْلِهَا مَيَدَانَ السَّفِينَةِ تَقْصِفُهَا الْعَوَاصِفُ فِي لُجَجِ الْبِحَارِ ، فَمِنْهُمُ الْغَرِقُ الْوَبِقُ ، وَمِنْهُمُ النَّاجِي عَلَى بُطُونِ الْأَمْوَاجِ ، تَحْفِزُهُ الرِّيَاحُ بِأَذْيَالِهَا ، وَتَحْمِلُهُ عَلَى أَهْوَالِهَا ، فَمَا غَرِقَ مِنْهَا فَلَيْسَ بِمُسْتَدْرَكٍ ، وَمَا نَجَا مِنْهَا فَإِلَى مَهْلَكٍ .
عِبَادَ اللّهِ ، الآنَ فَاعْمَلوا ، وَالْأَلْسُنُ مُطْلَقَةٌ ، وَالأبْدَانُ صَحِيحَةٌ ، وَالأعْضَاءُ لَدْنَةٌ ، وَالْمُنْقَلَبُ فَسِيحٌ ، وَالْمَجَالُ عَرِيضٌ ، قَبْلَ إِرْهَاقِ الْفَوْتِ ، وَحُلُولِ الْمَوْتِ . فَحَقِّقُوا عَلَيْكُمْ نُزُولَهُ ، وَلاَ تَنْتَظِرُوا قُدُومَهُ .

الشّرْحُ :

يقول : بعث اللّه سبحانه محمداً صلى الله عليه و آله وسلم لمّا لم يبق عَلَمٌ يهتدي به المكلَّفون ؛ لأ نّه كان زمان الفترة وتبدّل المصلحة ، واقتضاء وجوب اللّطف عليه سبحانه تجديدا لبعثته ؛ ليعرِّف المبعوثُ المكلّفين الأفعال التي تقرّبهم من فعل الواجبات العقلية ، وتبعدهم عن المقبّحات الفعلية .
والمنار الساطع : المرتفع . سطع الصُّبْحُ سطوعاً : ارتفع . ودارُ شخوص : دار رحلة ، شَخَص عن البلد : رحل عنه . والظاعن : المسافر . والقاطن : المقيم . والبائن : البعيد . يقول : ساكن الدنيا ليس بساكن على الحقيقة ، بل هو ظاعن في المعنى وإن كان في الصورة ساكنا ، والمقيم بها مفارق ؛ وإن ظَنّ أنه مقيم . وتميد بأهلها : تتحرّك وتميل . والمَيدان : حركة

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95511
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي