683
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

إذا رأوا إمامهم بتلك الهيئة وبذلك المطْعم كان أدعى لهم إلى سُلْوان لذّات الدنيا والصبر عن شهوات النفوس .

203

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام وقد سأله سائل عن أحاديث البدع
وعما في أيدي الناس من اختلاف الخبر
فقال عليه السلام :
إِنَّ فِي أَيْدِي النَّاس حَقّاً وَبَاطِلاً ، وَصِدْقاً وَكَذِباً ، وَنَاسِخاً وَمَنْسُوخاً ، وَعَامّاً وَخَاصّاً ، وَمُحْكَماً وَمُتَشَابِهاً ، وَحِفْظاً وَوَهْماً .
وَلَقَدْ كُذِبَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم عَلَى عَهْدِهِ ، حَتَّى قَامَ خَطِيباً ، فَقَالَ : «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» . وَإِنَّمَا أَتَاكَ بِالْحَدِيثِ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لَيْسَ لَهُمْ خَامِسٌ :
رَجُلٌ مُنَافِقٌ مُظْهِرٌ لِـلاْءِيمَانِ ، مُتَصَنِّعٌ بِالاْءِسْلاَمِ ، لاَ يَتَأَثَّمُ وَلاَ يَتَحَرَّجُ ، يَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم مُتَعَمِّداً ، فَلَوْ عَلِمَ النَّاسُ أنـّهُ مُنَافِقٌ كَاذِبٌ لَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ ، وَلَمْ يُصَدِّقُوا قَوْلَهُ ، وَلكِنَّهُمْ قَالُوا : صَاحِبُ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، رَآهُ وَسَمِعَ مِنْهُ ، وَلَقِفَ عَنْهُ ، فَيَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ ، وَقَدْ أَخْبَرَكَ اللّهُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ بِمَا أَخْبَرَكَ ، وَوَصَفَهُمْ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ لَكَ ، ثُمَّ بَقُوا بَعْدَهُ ، فَتَقَرَّبُوا إِلَى أَئِمَّةِ الضَّلاَلَةِ ، وَالدُّعَاةِ إِلَى النَّارِ بِالزُّورِ وَالْبُهْتَانِ ، فَوَلَّوْهُمُ الأعْمَالَ ، وَجَعَلُوهُمْ حُكَّاماً عَلَى رِقَابِ النَّاس ، فَأَكَلُوا بِهِمُ الدُّنْيَا ، وَإِنَّمَا النَّاسُ مَعَ الْمُلُوكِ وَالدُّنْيَا ، إِلاَّ مَنْ عَصَمَ اللّهُ ، فَهذَا أَحَدُ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
682

أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ ، كَيْلاَ يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ!

الشّرْحُ :

كنت هاهنا زائدة ، مثل قوله تعالى : « كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي المَهْدِ صَبِيّا »۱ . وقوله : « وبلى إن شئت بلغتَ بها الآخرة » ، لفظ فصيح ، كأنّه استدرك ، وقال : « وبلَى على أنّك قد تحتاج إليها في الدنيا لتجعلها وصلة إلى نيل الآخرة . بأن تقرى فيها الضيف ؛ والضيف لفظ يقع على الواحد والجمع ، وقد يجمع فيقال : ضيوف وأضياف . والرّحم : القرابة . وتطلِع منها الحقوق مطالعها : توقعها في مظانّ استحقاقها . والعَباء جمع عَباءة ، وهي الكِساء وقد تليّن ، كما قالوا : عَظاءة وعَظاية ، وصلاءة وصلاية . وتقول : عليّ بفلان ، أي أحضره ، والأصل أعجلْ به عليّ ، فحذف فعلَ الأمر ، ودلّ الباقي عليه . ويا عُدَيّ نفسه ، تصغير « عدوّ » ، وقد يمكن أن يراد به التّحقير المحض هاهنا ، ويمكن أن يراد به الاستعظام لعداوته لها ، ويمكن أن يخرج مخرج التحنّن والشّفقة ، كقولك : يا بنيّ . واستهام بك الخبيث ، يعني الشيطان ، أي جعلك هائما ضالاًّ ، والباء زائدة .
فإن قيل : ما معنى قوله عليه السلام : « أنت أهون على اللّه من ذلك »؟
قلت : لأنّ في الشاهد قد يحلّ الواحد منا لصاحبه فعلاً مخصوصاً ، محاباة ومراقبة له ، وهو يكره أن يفعله ، والبشر أهونُ على اللّه تعالى من أن يحِلّ لهم أمرا مجاملة واستصلاحاً للحال معهم ، وهو يكره منهم فعله .
وقوله : « هذا أنت ! » ، أي فما بالنا نراك خشنَ الملبس ! والتقدير : « فها أنت تفعل كذا ، فكيف تنهى عنه » ؟! وطعام جَشِب ، أي غليظ ، وكذلك مجشوب ، وقيل : إنّه الذي لا أُدْمَ معه .
قوله عليه السلام : « أن يقدّروا أنفسَهم بضَعفة الناس » ، أي يشبّهوا ويمثّلوا . وتبيّغ الدم بصاحبه ، وتبوّغ به ، أي هاج به ، وفي الحديث : « عليكم بالحجامة لا يتبيَّغ بأحدكم الدم فيقتله » ، وقيل : أصل « يتبيغ » يتبغى ، فقلب ، مثل جَذَب وجبَذ ، أي يجب على الإمام العادل أنْ يشبّه نفسَه في لباسه وطعامه بضعفة الناس ـ جمع ضعيف ـ لكيلا يهلِك الفقراء من الناس ، فإنّهم

1.سورة مريم ۲۹ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95483
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي