687
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

بِحِمْلِهَا ، أَوْ تَزُولَ عَنْ مَواضِعِهَا .
فَسُبْحَانَ مَنْ أَمْسَكَهَا بَعْدَ مَوَجَانِ مِيَاهِهَا ، وَأَجْمَدَهَا بَعْدَ رُطُوبَةِ أَكْنَافِهَا ، فَجَعَلَهَا لِخَلْقِهِ مِهَاداً ، وَبَسَطَهَا لَهُمْ فِرَاشاً فَوْقَ بَحْرٍ لُجِّيٍّ رَاكِدٍ لاَ يَجْرِي ، وَقَائِمٍ لاَ يَسْرِي ، تُكَرْكِرُهُ الرِّيَاحُ الْعَوَاصِفُ ، وَتَمْخُضُهُ الْغَمَامُ الذَّوَارِفُ .
إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى!

الشّرْحُ :

أراد أن يقول : « وكان من اقتداره » فقال : « وكان من اقتدار جبروته » ، تعظيماً وتفخيماً ، كما يقال للملك : أمرت الحضرةُ الشريفة بكذا . والبحر الزاخر : الّذي قد امتد جدّا وارتفع . والمتراكم : المجتمع بعضُه على بعض . والمتقاصف : الشديد الصوت ، قصفَ الرّعد وغيره قصيفاً . واليبَس ، بالتحريك : المكان يكون رطباً ثم ييبس ، ومنه قوله تعالى : « فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقا فِي الْبَحْرِ يَبَسا »۱ ، واليبْس بالسكون : اليابس خِلْقة ، حطب يبْس ، هكذا يقوله أهل اللغة وفيه كلام ؛ لأنّ الحطب ليس يابسا خلْقة بل كان رطباً من قبل ، فالأصوب أن يقال : لا تكون هذه اللفظة محرّكة إلاّ في المكان خاصّة . وفطر : خلق ، والمضارع يفطُر بالضمّ ، فَطْرا . والأطباق : جمع طبق ، وهو أجزاء مجتمعة من جراد أو غيم أو ناس أو غير ذلك من حيوان أو جماد ، يقول : خلق منه أجساما مجتمعة مرتتقة ، ثم فتقها سبع سماوات . وروي : « ثم فطر منه طِبَاقاً » أي أجساما منفصلة في الحقيقة متّصلة في الصورة ببعضها فوق بعض ، وهي من ألفاظ القرآن ۲ المجيد . والضمير في « منه » يرجع إلى ماء البحر في أظهر النّظر ، وقد يمكن أن يرجع إلى اليبس.
وكلامُ أمير المؤمنين عليه السلام كلّه مطابق لما في الكتاب العزيز ، والسنّة النبوية ، والنظر الحكميّ ، ألا ترى إلى قوله تعالى : « أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ والأَرْض كانَتَا رَتقا فَفَتَقْنَاهُمَا »۳ ، وهذا هو صريح قوله عليه السلام : « ففتقها سبع سماوات بعد ارتتاقها » ، وإلى قوله

1.سورة طه ۷۷ .

2.وهو قوله تعالى في سورة الملك ۳ : « الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماوَاتٍ طِبَاقا» ، وقوله في سورة نوح ۱۵ : « أَلَمْ تَرَ كَيْفَ خَلَقَ اللّه ُ سَبْعَ سَماواتٍ طِبَاقا» .

3.سورة الأنبياء ۳۰ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
686

عليه : إنّ ابن عباس لمّا رُوِي له هذا الخبر ، قال : ذَهَل ابن عمر ، إنّما مَرّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمعلى قبر يهوديّ ، فقال : إنّ أهله ليبكون عليه ، وإنه ليعذّب .
فأمّا الرَّجل الثالث ، وهو الذي يسمع المنسوخ ولم يسمع الناسخ ، فقد وقع كثيراً ، وكتُب الحديث والفقه مشحونة بذلك ، كالذين أباحوا لحوم الحُمرِ الأهلية لخبر رووه في ذلك ، ولم يرووا الخبر الناسخ .
وأمّا الرَّجل الرابع فهم العلماء الراسخون في العلم .
وأمّا قوله عليه السلام : « وقد كان يكون من رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم الكلام له وجهان » ، فهذا داخلٌ في القسم الثاني وغير خارج عنه ، ولكنّه كالنّوع من الجنس ؛ لأنّ الوهم والغلط جنس تحته أنواع .

204

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَكَانَ مِنِ اقْتِدَارِ جَبَروتِهِ ، وَبَدِيعِ لَطَائِفِ صَنْعَتِهِ ، أَنْ جَعَلَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ الزَّاخِرِ الْمُتَرَاكِمِ الْمُتَقَاصِفِ ، يَبَساً جَامِداً ، ثُمَّ فَطَرَ مِنْهُ أَطْبَاقاً ، فَفَتَقَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ بَعْدَ ارْتِتَاقِهَا ، فَاسْتَمْسَكَتْ بِأَمْرِهِ ، وَقَامَتْ عَلَى حَدِّهِ .
وَأَرْسَى أَرْضاً يَحْمِلُهَا الْأَخْضَرُ الْمُثْعَنْجِرُ ، وَالْقَمْقَامُ الْمُسَخَّرُ . قَدْ ذَلَّ لِأَمْرِهِ ، وَأَذْعَنَ لِهَيْبَتِهِ ، وَوَقَفَ الْجَارِي مِنْهُ لِخَشْيَتِهِ ، وَجَبَلَ جَلاَمِيدَهَا ، وَنُشُوزَ مُتُونِهَا وَأَطْوَادِهَا ، فَأَرْسَاهَا في مَرَاسِيهَا ، وَأَلْزَمَهَا قَرَارَتِهَا ، فَمَضَتْ رُؤُوسُهَا فِي الْهَوَاءِ ، وَرَسَتْ أُصُولُهَا فِي الْمَاءِ ، فَأنهَدَ جِبَالَهِا عَنْ سُهُولِهَا ، وَأَسَاخَ قَوَاعِدَهَا فِي متُونِ أَقْطَارِهَا ، وَمَوَاضِعِ أَنْصَابِهَا ، فَأشْهَقَ قِلاَلَهَا ، وَأَطَالَ أَنْشَازَهَا ، وَجَعَلَهَا لِـلْأَرْض عِمَاداً ، وَأَرَّزَهَا فِيهَا أَوْتَاداً ، فَسَكَنَتْ عَلَى حَرَكَتِهَا مِن أَنْ تَمِيدَ بِأَهْلِهَا ، أَوْ تَسِيخَ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95496
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي