699
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

والعرب تكنِي عن البرص بالسّوء ، ومن أمثالهم : ما أُنكرُك من سوء ، أي ليس إنكاري لك عن بَرَص حَدَث بك فغيّر صورتك . وأراد بعروقه أعضاءه ، ويجوز أن يريد : ولا مطعونا في نسبي ، والتفسير الأوّل أظهر . « ولا مأخوذا بأسوأ عملي » ، أي ولا معاقباً بأفحش ذنوبي . ولا مقطوعا دابري ، أي عقبي ونسلِي ، والدابر في الأصل : التابع ؛ لأ نّه يأتي دبُراً ، ويقال للهالك : قد قطع اللّه دابره ، كأنّه يراد أنه عفا أثره ، ومحا اسمه ، قال سبحانه : « أنَّ دَابِرَ هؤُلاَءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ »۱ . ولا مستوحشا ، أي ولا شاكّا في الإيمان ؛ لأنّ مَنْ شكّ في عقيدةٍ استوحش منها . ولا ملتبسا عقلي ، أي ولا مختلطا عقلي ، لَبَسْتُ عليهم الأمر بالفتح ، أي خلطته . وعذاب الأُمم من قبلُ ، المسخُ والزّلزلة والظلمة ونحو ذلك .
قوله : « لك الحجة عليّ ، ولا حجّة لي » ؛ لأنّ اللّه سبحانه قد كلّفه بعد تمكينه وإقداره وإعلامه قبحَ القبيح ووجوب الواجب وترديد دواعيه إلى الفعل وتركه ، وهذه حجّة اللّه تعالى على عبـاده ، ولا حجّة للعباد عليه ؛ لأ نّه ما كلّفهم إلاّ بما يطيقونـه ، ولا كان لهم لطـف في أمرٍ إلاّ وفَعَله . قولـه : « لا أستطيع أن آخـذ إلاّ ما أعطيتني ، ولا أتّقيَ إلاّ مـا وقَيْتَني » ، أي لا أستطيع أن أرزق نفسي أمراً ، ولكنك الرزاق ، ولا أدفع عن نفسي محذورا من المرض والموت إلاّ ما دفعته أنتَ عنِّي .
قوله عليه السلام : « أنْ أفتقِر في غناك » ، موضع الجار والمجرور نصب على الحال ، و « في » متعلّقة بمحذوف ، والمعنى أن افتقِر وأنت الموصوف بالغنى الفائض على الخلق ، وكذلك قوله : « أو أَضِلّ في هداك » ، معناه : أو أضلّ وأنت ذو الهداية العامّة للبشَر كافّة ، وكذلك : « أو أُضام في سلطانك » ، كما يقول المستغيث إلى السلطان : كيف أُظلم في عدلك ؟! وكذلك قوله : « أو أُضطهد والأمرُ لك » ، أي وأنت الحاكم صاحبُ الأمر ، والطاء في « أُضطهد » هي تاء الافتعال ، وأصل الفعل ضهدت فلاناً ، فهو مضهود ، أي قهرته ، وفلان ضُهَدة لكلّ أحد ، أي كلّ مَنْ شاء أن يقهره فعل .
قوله : « اللهمّ اجعلْ نفسي » ، هذه الدعوة مثل دَعْوة رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وهي قوله : « اللهمّ مَتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا ، واجعله الوارث منّا » ، أي لا تجعل موتنا متأخِّرا عن ذهاب حواسّنا ، وكان عليّ بن الحسين عليه السلام يقول في دعائه : « اللهمّ احفَظْ عليّ سمعي وبصري إلى

1.سورة الحجر ۶۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
698

« قبل أن تغلق أبوابه » ، أي قبل أن يحضره الموت فلا تقبل توبته . والحوبة : الإثم . وإماطته : إزالته ، ويجوز أمطتُ الأذى عنه ، ومِطت الأذى عنه ، أي نحّيته .

208

الأصْلُ :

۰.ومن دعاء كان يدعو به عليه السلام كثيراًالْحَمْدُ للّهِ الَّذِي لَمْ يُصْبِحْ بِي مَيِّتاً وَلاَ سَقِيماً ، وَلاَ مَضْرُوباً عَلَى عُرُوقِي بِسُوءٍ ، وَلاَ مَأْخُوذاً بِأَسْوَءِ عَمَلِي ، وَلاَ مَقْطُوعاً دَابِرِي ، وَلاَ مُرْتَدّاً عَنْ دِينِي ، وَلاَ مُنْكِراً لِرَبِّي ، وَلاَ مُسْتَوْحِشاً مِنْ إِيمَانِي ، وَلاَ مُلْتَبِساً عَقْلِي ، وَلاَ مُعَذَّباً بِعَذابِ الْأُمَمِ مِنْ قَبْلِي .
أَصْبَحْتُ عَبْداً مَمْلُوكاً ظَالِماً لِنَفْسِي ، لَكَ الْحُجَّةُ عَلَيَّ وَلاَ حُجَّةَ لِي . وَلاَ أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ إِلاَّ مَا أَعْطَيْتَنِي ، وَلاَ أَتَّقِيَ إِلاَّ مَا وَقَيْتَنِي .
اللَّهُمَّ إِنَّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَفْتَقِرَ فِي غِنَاكَ ، أَوْ أَضِلَّ فِي هُدَاكَ ، أَوْ أُضَامَ فِي سُلْطَانِكَ ، أَوْ أُضْطَهَدَ وَالْأَمْرُ لَكَ!
اللَّهُمَّ اجْعَلْ نَفْسِي أَوَّلَ كَرِيمَةٍ تَنْتَزِعُهَا مِنْ كَرَائِمِي ، وَأَوَّلَ وَدِيعَةٍ تَرْتَجِعُهَا مِنْ وَدَائِعِ نِعَمِكَ عِنْدِي!
اللَّهُمْ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَذْهَبَ عَنْ قَوْلِكَ ، أَوْ أَنْ نُفْتَتَنَ عَنْ دِينِكَ ، أَوْ تَتَابَعَ بِنَا أَهْوَاؤُنَا دُونَ الْهُدَى الَّذِي جَاءَ مِنْ عِنْدِكَ!

الشّرْحُ :

قوله : « كثيراً » منصوب بأنه صفة مصدر محذوف ، أي دعاء كثيراً . وميّتاً منصوب على الحال ، أي لم يفلَق الصباح عليّ ميتاً . « ولا مضروبا على عروقي بسوء » ، أي ولا أَبْرَص ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95498
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي