73
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.ثُمَّ أَسْكَنَ سُبْحَانَهُ آدَمَ دَارا أَرْغَدَ فِيها عِيشَتَهُ ، وَآمَنَ فِيهَا مَحَلَّتَهُ ، وَحَذَّرَهُ إبْلِيسَ وَعَدَاوَتَهُ ، فَاغْتَرَّهُ عَدُوُّهُ نَفَاسَةً عَلَيْهِ بِدَارِ الْمُقَامِ ، وَمُرَافَقَةِ الْأَبْرَارِفَباعَ الْيَقِينَ بِشَكِّهِ ، وَالْعَزِيمَةَ بِوَهْنِهِ ، وَاسْتَبْدَلَ بِالْجَذَلِ وَجَلاً وَبِالاِغْتِرَارِ نَدَما ۱ .
ثُمَّ بَسَطَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ في تَوْبَتِهِ ، وَلقَّاهُ كَلِمَةَ رَحْمَتِهِ ، وَوَعَدَهُ الْمَرَدَّ إلَى جَنَّتِهِ ، وَأهْبَطَهُ إلَى دَارِ الْبَلِيَّةِ ، وَتَنَاسُلِ الذُّرِّيَّةِ .

الشّرْحُ :

أمّا الألفاظ فظاهرة ، والمعاني أظهر ، وفيها ما يسأل عنه :
فمنها أن يقال : الفاء في قوله عليه السلام : « فأهبطه » تقتضي أن تكون التوبة على آدم قبل هبوطه من الجنة!
والجواب : إنّ ذلك أحد قولي المفسرين، ويعضده قوله تعالى: « وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى *ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وهَدَى * قَالَ اهبِطَا مِنْهَا »۲ ، فجعل الهبوط بعد قبول التوبة .
ومنها أن يقال : إذا كان تعالى قد طَرَدَ إبليس عن الجنة لما أبَى السجود ، فكيف توصّل إلى آدم وهو في الجنة حتى استنزَله عنها بتحسين أكل الشجرة له ؟!
الجواب : إنّه يجوز أن يكون إنما مُنِع من دخول الجنة على وجه التقريب والإكرام ، وقيل : إنه دخل في جوف الحية ، كما ورد في التفسير .
ومنها أن يقال : كيف اشتبه على آدم الحال في الشجرة المنهيّ عنها فخالف النهى!
الجواب : إنّه قيل له : لا تقربا هذه الشجرة ، وأُريد بذلك نوع الشجرة ، فحمل آدم النهيَ على الشّخص ، وأكل من شجرة أُخرى من نوعها .
ومنها أنْ يقال : هذا الكلام من أمير المؤمنين عليه السلام ، تصريح بوقوع المعصية من آدم عليه السلام ؛ وهو قوله : « فباع اليقين بشكِّه ، والعزيمة بوهْنه » ، فما قولكم في ذلك ؟

1.أرغد : من الرغد ومن السعة في العيش . العزيمة : القصد المؤكد ، والاهتمام بالشيء . إغتر : من الغرّة وهي الغفلة . نفاسة عليه : حسدا لآدم على الخلود في الجنة . الجذل : الفرح .

2.سورة طه ۱۲۱ ـ ۱۲۳ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
72

تشاهده الملائكة أربعين سنة ، ولا يعلمون ما المراد به؟
والجواب : يجوز أن يكون في ذلك لطف للملائكة ؛ لأنهم تذهب ظنونهم في ذلك كلّ مذهب ، فصار كإنزال المتشابهات الذي تحصل به رياضة الأذهان وتخريجها ، وفي ضمن ذلك يكون اللطف .
ومنها أن يقال : ما المعنيّ بقوله : « ثُمّ نَفَخَ فِيهَا مِن رُوحِهِ »؟
الجواب : إنّ النفس لما كانت جوهرا مجردا ، لا متحيزة ولا حالّة في المتحيّز ، حَسُن لذلك نسبتها إلى البارئ ، وأما النفخ فعبارة عن إفاضة النفس على الجسد ، ويستلزم ذلك حلولَ القُوى والأرواح في الجثة باطنا وظاهرا ، سُمِّي ذلك نفخا مجازا .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله : « معجونا بطينته الألوان المختلفة »؟
الجواب : إنه عليه السلام قد فَسّر ذلك بقوله : « من الحرّ والبرد ، والبَلّة والجمود » ، يعني الرطوبة واليبوسة ، ومراده بذلك المزاج الذي هو كيفية واحدة حاصلةٌ من كيفيات مختلفة ، قد انكسر بعضها ببعض . وقوله : « معجونا » صفة « إنسانا » . والألوان المختلفة ، يعني الضروبَ والفنون ، كما تقول : في الدار ألوان من الفاكهة .
ومنها أن يقال : ما المعنيّ بقوله : « واستأدى الملائكة وديعته لديهم » ؟ وكيف كان هذا العهدُ والوصية بينه وبينهم؟
الجواب : إنّ العهد والوصيةَ هو قوله تعالى لهم : « إنِّي خَالِقٌ بَشَرا مِّنْ طِينٍ * فإذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ »۱ .
فإن قلت : فما معنى قوله عليه السلام : « وإنجازا لِلْعِدَة » ؟ أليس معنى ذلك أنّه قد كان وَعَده أن يُبقِيَه إلى يوم القيامة ؟!
قلت : إنما وعده الإنظار ، ويمكن أن يكون إلى يوم القيامة ، وإلى غيره من الأوقات ولم يبيّن له ، فهو تعالى أنجز له وعده في الإنظار المطلق ، وما من وقت إلاّ ويجوز فيه إبليس أن يُخترم ، فلا يحصل الإغراء بالقبيح . وهذا الكلام عندنا ضعيف ، ولنا فيه نظر مذكور في كتبنا الكلامية .

1.سورة ص ۷۱ ، ۷۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95691
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي