75
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

وقوله عليه السلام : « واتَر إليه أنبياءه » ، أي بعثهم وبين كل نبيَّيْن فترة ، والأوصاب : الأمراض . والغابر : الباقي .
ويُسأل في هذا الفصل عن أشياء :
منها ، عن قوله عليه السلام : « أخَذَ على الوَحْي ميثاقهم » .
والجواب : إنّ المراد أخَذ على أداء الوحي ميثاقَهم ، وذلك أنّ كلَّ رسول أرسِل فمأخوذٌ عليه أداءُ الرسالة .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله عليه السلام : « ليستأدُوهم ميثاقَ فِطْرَته » .
والجواب : مرادُه عليه السلام بهذا اللفظ أنّه لمّا كانت المعرفة به تعالى وأدلّة التوحيد والعدل مركوزةً في العقول ، أرسلَ سبحانه الأنبياء أو بعضهم ، ليؤكدوا ذلك المركوزَ في العقول . وهذه هي الفطرةُ المشار إليها بقوله عليه السلام : « كلّ مولود يُولَد على الفطرة » .
ومنها أن يقال : إلى ماذا يشير بقوله : « أو حُجّة لازمة » ؟ هل هو إشارة إلى ما يقوله الإمامية ، من أنه لا بُدّ في كلّ زمان من وجود إمام معصوم؟
الجواب : إنّهم يفسرون هذه اللفظة بذلك . ويمكن أن يكونَ المراد بها حُجّة العقل ۱ .
وقال في تفسير قوله عليه السلام : « مِنْ سابق سُمِّي له مَنْ بعده ، أو غابرٍ عَرّفه مَنْ قبله » .
الصحيح أنّ المراد به : من نبيّ سابق عرّف مَنْ يأتي بعده من الأنبياء ، أي عرّفه اللّه تعالى ذلك ، أو نبيّ غابرٍ نص عليه مَنْ قبله ، وبشَّر به كبِشارة الأنبياء بمحمد عليه السلام .

الأصْلُ :

۰.عَلَى ذلِكَ نَسَلَتِ الْقُرُونُ ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ ، وَسَلَفَتِ الآبَاءُ وَخَلَفَتِ الْأَبْنَاءُ ؛ إلَى أَنْ بَعَثَ اللّهُ سُبْحَانَهُ مُحَمَّدا رَسُولَ اللّه صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ لاِءِنْجَازِ عِدَتِهِ ، وَإتْمَامِ نُبُوَّتِهِ ، مَأْخُوذا عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُهُ ، مَشْهُورَةً سِمَاتُهُ ، كَرِيما مِيلادُهُ . وَأَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للّهِ بِخَلْقِهِ ، أَوْ مُلْحِدٍ في

1.بل الظاهر أنّه يريد بالحجة اللاّزمة : الإمام المعصوم ، الذي أشار إليه فيما يأتي من كلامه لكميل بن زياد : « لا تخلو الأرض من قائم للّه بحجّة إمّا ظاهرا مشهورا أو خائفا مغمورا » ، الحكمة ۱۴۳ وبهذا تواترت الأخبار .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
74

الجواب : أمّا أصحابنا ، فإنهم لا يمتنعون من إطلاق العصيان عليه ، ويقولون إنها كانت صغيرة ، وعندهم أنّ الصغائر جائزة على الأنبياء : . وأما الإمامية فيقولون : إنّ النهيَ كان نهيَ تنزيه ، لا نهيَ تحريم ؛ لأنهم لا يجيزون على الأنبياء الغلط والخطأ ، لا كبيراً ولا صغيراً ۱ .

الأصْلُ :

۰.وَاصْطَفَى سُبْحَانَهُ مِنْ وَلَدِهِ أَنْبِيَاءَ أخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ ، وَعَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللّهِ إلَيْهِمْ فَجَهِلُوا حَقَّهُ وَاتَّخَذُوا الْأَنْدَادَ مَعَهُ ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرِفَتِهِ وَاقْتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِهِ ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَهُ ، وَوَاتَرَ إلَيْهِمْ أنْبِيَاءَهُ ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِىَّ نِعْمَتِهِ ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بالتَّبْلِيغِ ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُولِ ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ : مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوعٍ ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوعٍ ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ ، وَآجَالٍ تُفْنِيهمْ ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ وَأَحْدِاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِمْ ۲ .
وَلَمْ يُخْلِ اللّهُ سُبْحَانَهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِىٍّ مُرْسَلٍ أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ ، أوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ ، أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَةٍ : رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ، وَلاَ كَثْرَةُ الْمُكَذِّبِينَ لَهُمْ : مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ ، أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ .

الشّرْحُ :

« اجتالتْهم الشياطين » : أدارتهم ؛ تقول : اجتال فلان فلاناً ، واجتاله عن كذا وعلى كذا ، أي أداره عليه ، كأنّه يصرِّفه تارة هكذا ، وتارة هكذا ، يُحَسِّن له فعلَه ، ويُغْريه به .

1.اُنظر عبارة الصدوق في الاعتقادات : ص۳۷ ، والسيد المرتضى في تنزيه الأنبياء : ص۲ ، والعلاّمة الحلي في كشف المراد : ص۲۷۴ ، وغيرهم . ولكن ذهب بعضهم إلى التفريق بين ما قبل حال النبوة وبعدها ، انظر : أوائل المقالات للشيخ المفيد : ص۶۹ ، وتمهيد الأُصول للطوسي : ص۳۲۱ .

2.الميثاق : العهد . الأنداد : جمع ند ، وهو المثيل ، ليستأدوهم : ليطلبوا منهم الأداء . السقف المرفوع : السماء ، والمهاد الموضوع : الأرض .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95675
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي