77
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

قائما ، والعلم المنار يُهتدى به . ثم قَسّم ما بيّنه عليه السلام في الكتاب أقساما .
فمنها : حلاله وحرامه ، فالحلالُ كالنِّكاح ، والحرام كالزنا .
ومنها : فضائله وفرائضه ، فالفضائل النوافل ، أي هي فضلة غير واجبة كركعتي الصبح وغيرهما ، والفرائض كفريضة الصبح .
ومنها : ناسخة ومنسوخه ، فالناسخ كقوله : « اقْتُلُوا المُشْرِكِينَ » 1 ، والمنسوخ كقوله : « لاَ إكْراهَ فِي الدِّينِ » 2 .
ومنها : رُخَصه وعزائمه ، فالرخص كقوله تعالى : « فَمَنِ اضطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ » 3 ،والعَزائم كقوله : « فَاعْلَمْ أنَّه لاَ إلهَ إلاَّ اللّهُ » 4 .
ومنها خاصة وعامة ، فالخاصّ كقوله تعالى : « وَامرَأَةً مُؤمِنَةً إنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ » 5 ، والعام كالألفاظ الدالة على الأحكام العامة لسائر المكلفين كقوله : « أقِيمُوا الصَّلاَةَ » 6 . ويمكن أن يراد بالخاصّ العمومَات التي يُراد بها الخصوص كقوله : « وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ » 7 ، وبالعام ما ليس مخصوصا ، بل هو على عمومه كقوله تعالى : « وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » 8 .
ومنها : عِبَرُهُ وأمثالُهُ ، فالعبر كقصة أصحاب الفيل ، وكالآيات التي تتضمّن النَّكال والعذابَ النازل بأمم الأنبياء من قبل ، والأمثال كقوله : « كَمَثَلِ الَّذِي استَوْقَدَ نَارا » 9 .
ومنها : مرسله ومحدوده ، وهو عبارة عن المطلق والمقيَّد ، وسمّي المقيد محدودا وهي لفظة فصيحة جدا كقوله : « فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ » 10 ، وقال في موضع آخر : « فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ

1.سورة التوبة ۵ .

2.البقرة ۲۵۶ .

3.سورة المائدة ۳ .

4.سورة محمد ۱۹ .

5.سورة الأحزاب ۵۰ .

6.سورة البقرة ۴۳ .

7.سورة النمل ۲۳ .

8.سورة البقرة ۲۸۲ .

9.سورة البقرة ۱۷ .

10.سورة النساء ۹۲ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
76

اسْمِهِ ، أَوْ مُشِيرٍ إلَى غَيْرِهِ ، فَهَداهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَأَنْقَذَهُمْ بِمَكانِهِ مِنَ الْجَهَالَةِ .
ثُمَّ اخْتَارَ سُبْحَانَهُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ لِقَاءَهُ ، وَرَضِيَ لَهُ مَا عِنْدَهُ ، وَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا ، وَرَغِبَ بِهِ عَنْ مَقَامِ الْبَلْوَى ، فَقَبَضَهُ إلَيْهِ كَرِيما ، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الْأَنْبِيَاءُ في أُمَمِها ـ إذْ لَمْ يَتْرُكوهُمْ هَمَلاً ، بغَيْر طَريقٍ وَاضِحٍ ، وَلاَ عَلَمٍ قَائِمٍ ـ كِتَابَ رَبِّكُم فِيكُمْ : مُبَيِّنا لَكُمْ حَلالَهُ وَحَرَامَهُ ، وَفَرَائِضَهُ وَفَضَائِلَهُ ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ ، وَرُخَصَهُ وَعَزَائِمَهُ ، وَخَاصَّهُ وَعامَّهُ ، وَعِبَرَهُ وَأَمْثَالَهُ وَمُرْسَلَهُ وَمَحْدُودَهُ ، وَمُحْكَمَهُ وَمُتَشَابِهَهُ ، مُفَسِّرا مُجْمَلَهُ ، وَمُبَيِّنا غَوَامِضَهُ ، بَيْنَ مَأْخُوذٍ مِيثَاقُ عِلْمِهِ ، وَمُوَسَّعٍ عَلَى الْعِبَادِ في جَهْلِهِ ، وَبَيْنَ مُثْبَتٍ في الْكِتَابِ فَرْضُهُ ، وَمَعْلُومٍ في السُّنَّةِ نَسْخُهُ ، وَواجبٍ في السُّنَّةِ أَخْذُهُ وَمُرَخَّصٍ في الْكِتابِ تَرْكُهُ ، وَبَيْنَ وَاجِبٍ بَوَقْتِهِ ، وَزَائِلٍ في مُسْتَقْبَلِهِ . وَمُبَايَنٌ بَيْنَ مَحَارِمِهِ ، مِنْ كَبيرٍ أوْعَدَ عَلَيْهِ نِيرَانَهُ ، أَوْ صَغِيرٍ أَرْصَدَ لَهُ غُفْرَانَهُ . وَبَيْنَ مَقْبُولٍ في أَدْنَاهُ ، مُوَسَّعٍ في أَقْصَاهُ ۱ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « نَسَلت القرون » ، ولدت . والهاء في قوله : « لإنجاز عِدَته » راجعة إلى البارئ سبحانه . والهاء في قوله : « وإتمام نبوته » ، راجعة إلى محمد صلى الله عليه و آله . « مأخوذ على النبيين ميثاقه » ، قيل : لم يكن نبيّ قط إلاّ وبُشِّر بمبعث محمد صلى الله عليه و آله ، وأُخِذ عليه تعظيمه ؛ وإن كان بعدُ لم يوجد . « وأهل الأرض يومئذٍ مِللٌ متفرّقة » ، فإن العلماء يذكرون أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله بُعث والناس أصناف شتى في أديانهم : يهود ، ونصارى ، ومجوس ، وصابئون ، وعَبَدة أصنام ، وفلاسفة ، وزنادقة .
ثم ذكر عليه السلام أن محمدا صلى الله عليه و آله خَلّف في الأُمّة بعده كتاب اللّه تعالى طريقا واضحا ، وعَلَما

1.الفرائض : جمع فريضة ، وهي ما يجب فعله ، ولا يجوز تركه . النسخ : الإزالة . الرخصة : التسهيل والتخفيف . العزيمة : ما ألزم به الشارع ( الفرض ) . المرسل : المطلق . المحدود : المقيّد . المحكم : الواضح . المتشابه : المشكل والغامض . السنّة : شرعا ، قول المعصوم أو فعله أو تقريره . أرصد له : أعدّ له .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95618
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي