79
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

الأصْلُ :

۰.وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الْحَرَامِ ، الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنامِ ، يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ ، وَيَأْلَهُونَ إلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ ، وَجَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلاَمَةً لِتَوَاضُعِهمْ لِعَظَمَتِهِ ، وَإذْعَانِهمْ لِعِزَّتِهِ ، وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعا أَجَابُوا إلَيْهِ دَعْوَتَهُ وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائَـهِ ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلاَئَكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ . يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ في مَتْجَرِ عِبادَتِهِ ، وَيَتَبادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ ، جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلإِسْلاَمَ عَلَما ، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَما ، فَرَضَ حَقَّهُ وَأَوْجَبَ حَجَّهُ ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ ۱ ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ : « وَللّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ »۲ .

الشّرْحُ :

الوَله : شدة الوجْد ؛ حتى يكاد العقل يذهب ، ولَهَ الرجل يَوْلَهَ ولَها . ومن روى : « يألهون إليه وُلوه الحمام » فسّره بشيء آخر ، وهو يعكُفون عليه عُكوف الحمام ، وأصل « أَلَه » عبَد ، ومنه الإله ، أي المعبود . ولما كان العكوف على الشيء كالعبادة له لملازمته والانقطاع إليه قيل : ألَه فلان إلى كذا ، أي عكَف عليه كأنه يعبده .

2

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام بعد انصرافه من صفينأَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاما لِنِعْمَتِهِ ، وَاسْتِسْلاَما لِعِزَّتِهِ ، وَاسْتِعْصَاما مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَأَسْتَعِينُهُ

1.الإذعان : الانقياد . يتبادرون : يتسارعون . العائذين : جمع عائذ ، وهو المستجير والملتجئ . الوفادة : الزيارة .

2.سورة آل عمران ۹۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
78

مُؤْمِنَةٍ » 1 .
ومنها : محكمه ومتشابهه ، فمحكمه كقوله تعالى : « قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ » 2 ، والمتشابه كقوله : « إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ » 3 .
ثم قسم عليه السلام الكتاب قسمة ثانية ، فقال : إنّ منه ما لا يسع أحدا جهله ، ومنه ما يسع الناس جهله ؛ مثال الأول قوله : « اللّهُ لاَ إلهَ إلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ » 4 ، ومثال الثاني : « كهيعص » « حمعسق » .
ثم قال : ومنه ما حكمه مذكور في الكتاب منسوخ بالسنّة ، وما حكمه مذكور في السنّة منسوخ بالكتاب ؛ مثال الأول قوله تعالى : « فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَ المَوْتُ » 5 ، نسخ بما سنّه عليه السلام من رجْم الزاني المحصَن .
ثم قال : « وبين واجبٍ بوقته ، وزائل في مستقبله » ، يريد الواجبات الموقّتة كصلاة الجمعة ، فإنّها تجب في وقت مخصوص ، ويسقط وجوبها في مستقبل ذلك الوقت .
ثم قال عليه السلام : « ومباين بين محارمه » ، الواجب أن يكون « ومباينٌ » بالرّفْع لا بالجرّ ، فإنه ليس معطوفا على ما قبله ، ألا ترى أنّ جميع ما قبله يستدعي الشيء وضدَّه ، أو الشيء ونقيضه . وقوله : « ومباين بين محارمه » لا نقيض ولا ضدّ له ؛ لأنّه ليس القرآن العزيز على قسمين : أحدهما مباين بين محارمه والآخر غير مباين ، فإنّ ذلك لا يجوز ، فوجب رفع « مباين » ، وأن يكون خبر مبتدأ محذوف ، ثم فسّر ما معنى المباينة بين محارمه ، فقال : إنّ محارمَه تنقسم إلى كبيرة وصغيرة ، فالكبيرة أوعد سبحانه عليها بالعقاب ، والصغيرة مغفورة .
ثم عدل عليه السلام عن تقسيم المحارم المتباينة ، ورجعَ إلى تقسيم الكتاب فقال : « وبين مقبول في أدناه ، وموسّع في أقصاه » ، كقوله : « فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ » 6 ، فإنّ القليل من القرآن مقبول ، والكثير منه موسّع مرخَّص في تركه .

1.سورة النساء ۹۲ .

2.سورة الإخلاص ۱ .

3.سورة القيامة ۲۳ .

4.سورة البقرة ۲۵۵ .

5.سورة النساء ۱۵ .

6.سورة المزمل ۲۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95540
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي