81
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

في فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيها حَبْلُ الدِّينِ ، وَتَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ ، وَاخْتلَفَ النَّجْرُ ، وَتَشَتَّتَ الْأَمْرُ ، وَضَاقَ الْمَخْرَجُ ، وَعَمِيَ الْمَصْدَرُ ، فَالْهُدَى خَامِلٌ ، وَالْعَمَى شَامِلٌ . عُصِيَ الرَّحْمانُ ، وَنُصِرَ الشَّيْطَانُ ، وَخُذِلَ الاْءِيمَانُ ، فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ ، وَتَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ ، وَدَرَسَتْ سُبُلُهُ ، وَعَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ ، وَوَرَدُوا مَنَاهِلَهُ ، بِهِمْ سَارَتْ أَعْلامُهُ ، وَقَامَ لِوَاؤُهُ ، في فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا ، وَوَطِئَتْهُمْ بأَظْلاَفِهَا ، وَقَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا ، فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ ، في خَيْر دَارٍ ، وَشَرِّ جِيرَانٍ . نَوْمُهُمْ سُهُودٌ ، وَكُحْلُهُمْ دُمُوعٌ ، بأَرْضٍ عَالِمها مُلْجَمٌ وَجَاهِلُها مُكْرَمٌ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « والعلم المأثور » ، يجوز أن يكون عَنَى به القرآن ؛ لأنّ المأثور المحكيّ ، والعلم ما يُهتدى به ، والمتكلّمون يسمون المعجزات أعلاما . ويجوز أن يريدَ به أحدَ معجزاته غير القرآن ؛ فإنها كثيرة ومأثورة ، ويؤكد هذا قولُه بعد : « والكتاب المسطور » ، فدلّ على تغايُرهما ، ومن يذهب إلى الأول يقول : المراد بهما واحد ، والثانية توكيدُ الأُولى على قاعدة الخطابة والكتابة . والصادع : الظاهر الجليّ ، قال تعالى : « فَاصْدَعْ بِمَا تُؤمَرُ»۱ أي أظهره ولا تخفه . والمثُلات ؛ بفتح الميم وضم الثاء : العقوبات ، جمع مَثُلَة قال تعالى : « وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسيّئَةِ قَبْلَ الحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ المَثُلاَتُ »۲ . وانجذم : انقطع . والسَّواري : جمع سارية ، وهي الدِّعامهُ يدعم بها السّقف . والنَّجْر : الأصل ، ومثله النِّجار . وانهارَت : تساقطت . والشرُك : الطرائق ، جمع شِراك . والأخفاف للإبل ، والأظلاف للبقر والمعِز . « في خير دار » يعني مكة ، و « شر جيران » ، يعني قريشاً ، وهذا لفظ النبي صلى الله عليه و آله حين حَكَى بالمدينة حالةً كانت في مبدأ البعثة ، فقال : « كنت في خير دار » و « شر جيران » ، ثم حكى عليه السلام ما جرى له مع عُقْبة بن أبي مُعَيْط ، والحديث مشهور .

1.سورة الحجر ۹۴ .

2.سورة الرعد ۶ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
80

فَاقَةً إلَى كِفَايَتِهِ ؛ إنِّهُ لاَ يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ ، وَلاَ يَئِلُ مَن عَادَاهُ ، وَلاَ يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ ؛ فَإنَّهُ أَرْجَحُ ما وُزنَ ، وَأَفْضَلُ مَا خُزِنَ . وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، شَهَادَةً مُمْتَحَنا إخْلاَصُهَا ، مُعْتَقَدا مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بها أَبَدا ما أَبْقانَا ، وَنَدَّخِرُهَا لِأَهَاوِيلِ مَا يَلْقَانَا ، فَإنَّهَا عَزيمَةُ الاْءِيمَانِ ، وَفَاتِحَةُ الإحْسَانِ ، وَمَرْضَاةُ الرَّحْمَانِ ، وَمَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ ۱ .

الشّرْحُ :

وَأَلَ ، أي نجا ، يئِل . والمُصاص : خالص الشيء . والفاقة : الحاجة والفقر . الأهاويل : جمع أهوال ، والأهوال : جمع هَوْل ، فهو جمع الجمع ، كما قالوا : أنعام وأناعيم . والعزيمة : النية المقطوع عليها . ومدحرة الشيطان ، أي تدحَره ، أي تبعده وتطرده .
وقوله عليه السلام : « استتماما » و « استسلاما » و « استعصاما » من لطيف الكناية وبديعها ، فسبحان مَنْ خصّه بالفضائل التي لا تنتهي ألسنةُ الفصحاء إلى وصفها ، وجعله إمام كل ذي علم ، وقدوةَ كلّ صاحب خِصِّيّة!
وقوله : « فإنه أرجح » ، الهاء عائدة إلى ما دلّ عليه قوله : « أحمده » ، يعني الحمد ، والفعل ، يدلّ على المصدر ، وترجع الضمائر إليه كقوله تعالى : « بَلْ هُوَ شَرٌّ »۲ وهو ضمير البخل الذي دلّ عليه قوله : « يبخلون » .

الأصْلُ :

۰.وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَالْعَلَمِ الْمَأْثُورِ ، وَالْكِتَابِ الْمَسْطُورِ ، وَالنُّورِ السَّاطِعِ ، وَالضِّيَاءِ اللاَّمِعِ ، وَالأَمْرِ الصَّادِعِ ، إزَاحَةً لِلشُّبُهَاتِ ، وَاحْتِجَاجا بِالبَيِّنَاتِ ، وَتَحْذِيرا بِالآيَاتِ ، وَتَخْوِيفا بِالْمَثُلاَتِ ، وَالنَّاسُ

1.استتماما : طلبا للتمام . واستسلاما : انقيادا . واستعصاما : طلبا للعصمة وهي المنعة . ومصاصها : خلوصها من كلّ شائبة . وأهاويل : مخاوف . المدحرة : الطرد والبعد .

2.سورة آل عمران ۱۸۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95687
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي