83
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1

عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ هـذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ ، وَلا يُسَوَّى بِهِمْ مَنْ جَرَتْ نِعْمَتُهُمْ عَلَيْهِ أَبَدا ؛ هُمْ أَسَاسُ الدِّينِ ، وَعِمادُ الْيَقِينِ . إلَيْهِمْ يَفِيءُ الْغَالِي ، وَبِهِمْ يُلْحَقُ التَّالي . وَلَهُمْ خَصَائِصُ حَقِّ الْوِلايَةِ ، وَفِيهِمُ الْوَصِيَّةُ وَالْوِرَاثَةُ ؛ الاْنَ إذْ رَجَعَ الْحَقُّ إلَى أَهْلِهِ ، وَنُقِلَ إلَى مُنْتَقَلِهِ ۱ !

الشّرْحُ :

جعل ما فعلوه من القَبيح بمنزلة زَرْع زرعوه ، ثم سقوْه ، فالذي زرعوه الفجور ، ثم سقوْه بالغرور ، والاستعارة واقعة موقعَها ؛ لأنّ تماديَهم ، وما سكنت إليه نفوسهم من الإمهال ، هو الذي أوجب استمرارهم على القبائح التي واقعوها ، فكان ذلك كما يُسقى الزرع ، ويربّى بالماء ، ويستحفظ . « وحصدوا الثبور » ، أي كانت نتيجة ذلك الزرع والسقي حصادَ ما هو الهلاك والعطب .
وإشارته هذه ليست إلى المنافقين كما ذكر الرضيّ ؛ ، وإنما هي إشارة إلى مَنْ تغلّب عليه ، وجَحد حقه كمعاوية وغيره . ولعل الرضيّ ؛ تعالى عرَف ذلك وكنّى عنه .
ثم عاد إلى الثناء على آل محمد صلى الله عليه و آله ، فقال : « هم أُصول الدين ، إليهم يفيء الغالي ، وبهم يلحَق التالي » ؛ جعلهم كمقْنب يسير في فلاة ، فالغالي منه أي الفارط المتقدم ، الذي قد غَلا في سيره يرجع إلى ذلك المِقْنب إذا خاف عدوا ، ومن قد تخلّف عن ذلك المِقْنب فصار تالياً له يلتحق به إذا أشفَق من أن يتخطّف ۲ .

1.الفجور : العدول عن الحق ، القبائح . الغرور : الخداع والباطل . الغالي : هو الزيادة في تجاوز الحد . التالي : المقصّر ضد الغالي .

2.فأهل البيت هم ميزان الأعمال ، وبهم يقاس تفريط من قصّر عن بلوغ الحق ، وإفراط من تجاوز الحدّ في غلوّه ، حيث جعلهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم عِدل الكتاب ، فالسالك سبيلهم سالك سبيل الهدى والصواب ، فقال : « إني تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » . انظر : صحيح مسلم ۴ : ۱۸۷۳ ، ۱۸۷۴ / ح۳۶ ، ۳۷ . وسنن الترمذي ۵:۶۶۲ ، ۶۶۳ / ح۳۷۸۶ ، ۳۷۸۸ . وغيرهما . كما قال صلى الله عليه و آله وسلم : «مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق » . انظر : المستدرك للحاكم ۳:۱۴۸ ، ۱۰۹ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ۹:۱۶۲ ، ۱۶۳ وغيرهما .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
82

وقوله : « نومهم سهود ، وكحلهم دموع » مثل أن يقول : جودهم بخل ، وأمنهم خوف ، أي لو استماحهم محمد عليه السلام النومَ لجادوا عليه بالسهود ، عوضا عنه ، ولو استجداهم الكُحْل لكان كحلهم الذي يصلونه به الدموع .
ثم قال : « بأرض عالمها مُلْجَم » ، أي من عرف صدق محمد صلى الله عليه و آله وآمن به في تقيّة وخوف . « وجاهلها مكرم » ، أي مَنْ جحد نبوته وكَذّبه في عز ومنعة ، وهذا ظاهر .

الأصْلُ :

۰.ومنها يعني آل النبي صلى الله عليه و آلههُمْ مَوْضِعُ سِرِّهِ ، وَلَجَأُ أَمْرِهِ ، وَعَيْبَةُ عِلْمِهِ ، وَمَوْئِلُ حُكْمِهِ ، وَكُهُوفُ كُتُبِهِ ، وَجِبَالُ دِينِهِ ، بِهِمْ أَقَامَ انْحِناءَ ظَهْرِهِ ، وَأَذْهَبَ ارْتِعَادَ فَرَائِصِهِ .

الشّرْحُ :

اللجأ : ما تلتجئ إليه ، كالوزَر ما تعتصم به . والموئل : ما ترجع إليه ؛ يقول : إنّ أمر النبي صلى الله عليه و آله ، أي شأنه ملتجِئ إليهم ، وعلمه مودَع عندهم ؛ كالثوب يودَع العيْبة . وحُكْمه ، أي شرعه يرجع ويؤول إليهم . وكتبه ـ يعني القرآن ـ والسنة عندهم ، فهم كالكهوف له ؛ لاحتوائهم عليه . وهم جبال دينه لا يتحلحلون عن الدين ؛ أو أنّ الدين ثابت بوجودهم ؛ كما أنّ الأرض ثابتة بالجبال ، ولولا الجبال لمادتْ بأهلها .
والهاء في « ظهره » ترجع إلى الدين ، وكذلك الهاء في « فرائصه » ، والفرائص : جمع فَرِيصة ، وهي اللحمة بين الجنب والكتف لا تزال ترعَد من الدابة .

الأصْلُ :

۰.ومنها في المنافقينزَرَعُوا الْفُجُورَ ، وَسَقَوْهُ الْغُرُورَ ، وَحَصَدُوا الثُّبُورَ ، لا يُقَاسُ بِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّهُ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج1
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 95661
الصفحه من 712
طباعه  ارسل الي