« وانتقل إلى منتَقَله » ، فيه مضاف محذوف ، تقديره : « إلى موضع منتقله » ، والمنتَقل بفتح القاف مصدر بمعنى الانتقال . فقد رجع الأمر إلى نصابه ، وإلى الموضع الذي هو على الحقيقة الموضعُ الذي يجب أن يكون انتقالُه إليه .
فإن قيل : ما معنى قوله عليه السلام : « لا يقاس بآل محمد من هذه الأُمّة أحد ، ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبدا » .
قيل : لا شبهةَ أن المنعم أعلى وأشرفُ من المنعَم عليه ، ولا ريب أنّ محمداً صلى الله عليه و آله وأهله الأدنيْن من بني هاشم ، لا سيما عليّ عليه السلام ، أنعَموا على الخلْق كافة بنعمة لا يقدّر قدرها ، وهي الدعاء إلى الإسلام والهداية إليه ، فمحمد صلى الله عليه و آله وإن كان هَدَى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه ويده ، ونصره اللّه تعالى له بملائكته وتأييده ، وهو السيّد المتبوع ، والمصطفى المنتجب الواجب الطاعة ، إلاّ أنّ لعليّ عليه السلام من الهداية أيضا ـ وإن كان ثانيا لأوّل ، ومصلِّيا على إثر سابق ـ ما لا يُجحد ، ولو لم يكن إلاّ جهادُه بالسيف أولاً وثانيا ، وما كان بين الجهاديْن من نشر العلوم وتفسير القرآن وإرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة ولا متصوّرة ، لكفى في وجوب حَقّه ، وسبوغ نعمته عليه السلام .
فإن قيل : لا ريب في أنّ كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه ، فأيّ نعمة له عليهم ؟ قيل : نعمتان . الأُولى منهما : الجهاد عنهم وهم قاعدون ، فإنّ من أنصفَ علم أنّه لو لا سيف علي عليه السلام لاصطلم المشركون من أشار إليه وغيرهم من المسلمين ، وقد علمتَ آثاره في بدر ، وأحد ، والخندق ، وخَيْبر ، وحُنَين ؛ وأنّ الشرك فيها فَغَرفاه ، فلو لا أن سدّه بسيفه لالتْهَم المسلمين كافة ، والثانية : علومه التي لولاها لحُكِم بغير الصواب في كثير من الأحكام ، وقد اعترف عمر له بذلك ، والخبر مشهور : « لولا علي لهلك عمر » .
ويمكن أن يخرّج كلامه على وجه آخر ؛ وذلك أنّ العرب تفضِّل القبيلة التي منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل ، وتفضّل الأدنى منه نسباً ، فالأدنى على سائر آحاد تلك القبيلة ... فكذلك لما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم رئيسَ الكلّ ، والمنعِمَ على الكلّ ، جاز لواحد من بني هاشم ؛ لاسيما مثل عليّ عليه السلام أن يقول هذه الكلمات .