11
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : «ولا أنا إلاّ أن يتداركَني اللّه برحمته» .
ومنها قوله عليه السلام : «أخرجنا مما كنا فيه ، فأبدلنا بعد الضلالة بالهدى ، وأعطانا البصيرة بعد العمى» ، ليس هذا إشارة إلى خاصّ نفسه عليه السلام ؛ لأنّه لم يكن كافراً فأسلم ، ولكنه كلام يقوله ويشير به إلى القوم الذين يخاطبهم من أفْناء الناس ، فيأتي بصِيغة الجمع الداخلة فيها نفسه توسُّعا ، ويجوز أن يكون معناه : لولا ألطافُ اللّه تعالى ببعثة محمد صلى الله عليه و آله وسلم لكنتُ أنا وغيري على أصلِ مذهب الأسلاف من عبادة الأصنام ، كما قال تعالى لنبيه : «وَوَجَدَكَ ضالاًّ فَهَدَى»۱ ، ليس معناه أنّه كان كافراً ، بل معناه : لولا اصطفاء اللّه تعالى لك لكنت كواحدٍ من قومك . ومعنى «ووجدك ضالاًّ» ، أي ووجدك بعُرْضة للضلال ، فكأنه ضالّ بالقوّة لا بالفعل .

211

الأصْلُ:

۰.ومن كلام له عليه السلاماللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْش وَمَنْ أَعَانَهُمْ ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ قَطَعُوا رَحِمِي وَأَكْفَؤُوا إِنَائِي ، وَأَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي حَقّاً كُنْتُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِي ، وَقَالُوا : أَلاَ إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ ، وَفِي الْحَقِّ أَنْ تُمْنَعَهُ ، فَاصْبِرْ مَغْمُوماً ، أَوْ مُتْ مُتَأَسِّفاً . فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي رَافِدٌ ، وَلاَ ذَابٌّ وَلاَ مُسَاعِدٌ ، إِلاَّ أَهْلَ بَيْتِي ؛ فَضَنَنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَنِيَّةِ ، فَأَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى ، وَجَرِعْتُ رِيقِي عَلَى الشَّجَا ، وَصَبَرْتُ مِنْ كَظْمِ الْغَيْظِ عَلَى أَمَرَّ مِنَ الْعَلْقَمِ ، وَآلَمَ لِلْقَلْبِ مِنْ وخْزِ الشِّفَارِ .

1.سورة الضحى ۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
10

العملُ به عليه أثقلَ . هذا معنى لطيف ، ولم أسمع فيه شيئا منثورا ولا منظوما .
ومنها قوله عليه السلام : ولا تكفّوا عن قولٍ بحقّ ، أو مشورة بعدل . قد ورد في المشورة شيء كثير : قال اللّه تعالى : «وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ»۱ . وكان يقال : إذا استشرت إنساناً صار عقله لك . وقال أعرابي : ما غُبِنت قطّ حتى يُغْبَن قومِي ، قيل : وكيف ذاك؟ قال : لا أفعل شيئا حتى أُشاورَهم .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله : عليه السلام : « وربّما استحلَى النّاسُ الثّناء بعد البلاء ... » إلى قوله : «لابد من إمْضائها»؟ فنقول : إنّ معناه أنّ بعض مَنْ يكره الإطراء والثناء ، قد يحبّ ذلك بعد البلاء والاختبار ، كما قال مرْدَاس بن أديّة لزياد : إنّما الثناء بعد البلاء ، وإنما يثنى بعد أن يبتلى ؛ فقال : لو فرضنا أنّ ذلك سائغ وجائز وغير قبيح ، لم يجزْ لكم أن تثنوا عليّ في وجهي ، ولا جاز لي أن أسمَعه منكم ؛ لأنّه قد بقيتْ عليّ بقيّة لم أفرُغ من أدائها ، وفرائض لم أمْضِها بعد ، ولابدّ لي من إمضائها ؛ وإذا لم يتمّ البلاء الذي قد فرضنا أن الثناء يحسن بعده ، لم يحسن الثناء .
ومعنى قوله : «لإخراجي نفسي إلى اللّه وإليكم» أي لاعترافي بين يدي اللّه وبمحضر منكم أنّ عليّ حقوقاً في إيالتكم ، ورئاستي عليكم لم أقم بها بعد ، وأرجو من اللّه القيام بها .
ومنها أن يقال : ما معنى قوله : «فلا تخالطوني بالمصانعة»؟ فنقول : إنّ معناه لا تصانعوني بالمدح والإطراء عن عمل الحق ، كما يصانَع به كثير من الولاة الذين يستفزّهم المدح ويستخفّهم الإطراء والثناء ، فيغمضون عن اعتماد كثير من الحقّ مكافأة لما صونعوا به من التقريظ والتزكية والنفاق .
ومنها قوله عليه السلام : «فإنّي لست [في نفسي] بفوْقِ أنْ أخطئ» ، هذا اعتراف منه عليه السلام بعَدم العصمة ، فإمّا أن يكون الكلام على ظاهره ، أو يكون قاله على سبيل هضم النفس ۲ ، كما

1.سورة آل عمران ۱۵۹ .

2.بل هذا من قبيل هضم النفس ـ دون أدنى شك ـ وليس بنفي العصمة ، والاستثناء يؤيد ذلك ، لا أدفع ذلك إلاّ بكفاية اللّه لي ما هو أملك له ، وهو كقوله تعالى : «وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً» (الإسراء ۷۴) ونحوها من آيات القرآن الدالة على أنّ العصمة تكون بتأييد اللّه سبحانه . وقال المجلسي رحمه الله : هذا من الانقطاع إلى اللّه والتواضع الباعث لهم على الانبساط معه بقول الحق ، وعدّ نفسه من المقصّرين في مقام العبودية ، والإقرار بأنّ عصمته من نِعمه تعالى عليه فلا يدل كلامه عليه السلام على اعترافه بعدم العصمة . انظر : شرح النهج المقتطف من بحار الأنوار ۲:۴۵۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123258
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي