143
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

«قد قلعت بأهلها وقلعوا بها» ، الباء هاهنا زائدة في أحد الموضعين ، وهو الأول ، وبمعنى «من» في الثاني ، يقول : فارقت أهلها وفارقوها ، ومنه قولهم : «هذا منزل قُلْعة » ، أي ليس بمستوطن . وجاشت : اضطربت . والمِرْجل : القِدْر .
ومن لطيف الكلام قوله عليه السلام : «فكنتُ رجلاً من المهاجرين» ، فإن في ذلك من التخلّص والتبرِّي ما لا يخفى على المتأمّل ، ألا ترى أنه لم يبق عليه في ذلك حجّة لطاعن ، حيث كان قد جعل نفسه كواحدٍ من عُرْض المهاجرين ۱ .
ومن لطيف الكلام أيضا قوله : «فأتيحَ له قوم قتلوه» ، ولم يقل : «أتاح اللّه له قوما» ، ولا قال : «أتاحَ له الشيطان قوما» ، وجعل الأمر مبهماً .
وقد ذكر أنّ خط الرضيّ رحمه الله «مستكرهين» بكسر الراء ، والفتح أحسن وأصوب ، وإن كان قد جاء : استكرهتُ الشيء بمعنى كرهته .

2

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إليهم بعد فتح البصرةوَجَزَاكُمُ اللّهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ أَحْسَنَ مَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِطَاعَتِهِ ، وَالشَّاكِرِينَ لِنِعْمَتِهِ ، فَقَدْ سَمِعْتُمْ وَأَطَعْتُمْ ، وَدُعِيتُمْ فَأَجَبْتُمْ ۲ .

1.نعم اِنّ كلامه عليه السلام من لطيف الكلام ، لكن لا لما قاله . بل ، اِن كلامه دلّ على أن الطاعنين على عثمان والمنكرين عليه كان فيهم من المهاجرين الثابتين على الحقِّ كعمّار ، وأبي ذر ، والمقداد ، وحذيفة ونظرائهم . كما أنّ فيهم من الثوار من مسلمي مصر والكوفة وغيرهما .

2.جزاكم : من جزى الرجل بكذا وعلى كذا : كافأه . والخطاب لأهل الكوفة بعد الانتهاء من حرب الجمل ، ولا سبيل إلى التوهم بأنّه يعود لأهل البصرة ، لأنهم هم الذين حاربوه ونصروا أعداءه . المصر : القطر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
142

1

الأصْلُ:

۰.من كتاب له عليه السلام إلى أهل الكوفة عند مسيره من المدينة إلى البصرةمِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ ، جَبْهَةِ الأنْصَارِ وَسَنَامِ الْعَرَبِ .
أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي أُخْبِرُكُمْ عَنْ أَمْرِ عُثْمانَ حَتَّى يَكُونَ سَمْعُهُ كَعِيَانِهِ .
إِنَّ النَّاسَ طَعَنُوا عَلَيْهِ ، فَكُنْتُ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أُكْثِرُ اسْتِعْتَابَهُ ، وَأُقِلُّ عِتَابَهُ ، وَكَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَهْوَنُ سَيْرِهِمَا فِيهِ الْوَجِيفُ ، وَأَرْفَقُ حِدَائِهِمَا الْعَنِيفُ . وَكَانَ مِنْ عَائَشَةَ فِيهِ فَلْتَةُ غَضَبٍ ، فَأُتِيحَ لَهُ قَوْمٌ فَقَتَلُوهُ ، وَبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ ، وَلاَ مُجْبَرِينَ ، بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ دَارَ الْهِجْرَةِ قَدْ قَلَعَتْ بِأَهْلِهَا وَقَلَعُوا بِهَا ، وَجَاشَتْ جَيْشَ الْمِرْجَلِ ، وَقَامَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْقُطْبِ ، فَأَسْرِعُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ ، وَبَادِرُوا جِهَادَ عَدُوِّكُمْ . إِنْ شَاءَ اللّهُ .

الشّرْحُ:

قوله : «جبهة الأنصار» ؛ يمكن أن يريدَ جماعة الأنصار ، فإنّ الجبهة في اللغة الجماعة ويمكن أن يريد به سادة الأنصار وأشرافهم ، لأنّ جبهة الإنسان أعلَى أعضائه ، وليس يريد بالأنصار هاهنا بني قَيْلة ، بل الأنصار هاهنا الأعوان .
قوله عليه السلام : «وسَنام العرب» ، أي أهل الرفعة والعلوّ منهم ؛ لأنّ السنام أعلى أعضاء البعير . قوله عليه السلام : «أُكثِر استعتابه وأُقلُّ عتابه» ، الاستعتاب : طلب العُتْبى ، وهي الرّضا ، قال : كنت أكثر طلبَ رضاه ، وأقل عتابه وتعنيفه على الأُمور ، وأمّا طلحة والزبير فكانا شديديْن عليه . والوجيف : سير سريع ، وهذا مَثَلٌ للمشمرين في الطعن عليه ، حتى إنّ السّير السريع أبطأ ما يسيران في أمره ، والحُداء العنيف أرفق ما يحرّضان به عليه . ودار الهجرة : المدينة . وقوله :

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120928
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي