145
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الْحَدُّ الْأَوَّلُ يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الآفَاتِ ، وَالْحَدُّ الثَّانِي يَنْتَهِي إِلَى دَوَاعِي الْمُصِيبَاتِ ؛ وَالْحَدُّ الْثَّالِثُ يَنْتَهِي إِلَى الْهَوَى الْمُرْدِي ، وَالْحَدُّ الرَّابِعُ يَنْتَهِي إِلَى الشَّيْطَانِ الْمُغْوِي ، وَفِيهِ يُشْرَعُ بَابُ هذِهِ الدَّارِ . اشْتَرَى هذَا الْمُغْتَرُّ بِالْأَمَلِ ، مِنْ هذَا الْمُزْعَجِ بِالْأَجَلِ ، هذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ ، وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ ، فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْ دَرَكٍ ، فَعَلَى مُبَلْبِلِ أَجْسَامِ الْمُلُوكِ ، وَسَالِبِ نُفُوس الْجَبَابِرَةِ ، وَمُزِيلِ مُلْكِ الْفَرَاعِنَةِ ، مِثْلِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَتُبَّعٍ وَحِمْيَرَ ، وَمَنْ جَمَعَ الْمَالَ عَلَى الْمَالِ فَأَكْثَرَ ، وَمَنْ بَنَى وَشَيَّدَ ، وَزَخْرَفَ وَنَجَّدَ ، وَادَّخَرَ واعْتَقَدَ ، وَنَظَرَ بِزَعْمِهِ لِلْوَلَدِ ، إِشْخَاصُهُمْ جَمِيعاً إِلَى مَوْقِفِ الْعَرْض وَالْحِسَابِ ، وَمَوْضِعِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، إِذَا وَقَعَ الْأَمْرُ بِفَصْلِ الْقَضَاءِ «وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ» .
شَهِدَ عَلَى ذلِكَ الْعَقْلُ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَسْرِ الْهَوَى ، وَسَلِمَ مِنْ عَلاَئِقِ الدُّنْيَا » ۱ .

الشّرْحُ:

هو شُرَيح بن الحارث . استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة ، فلم يزل قاضياً ستّين سنة ، لم يتعطّل فيها إلاّ ثلاث سنين في فِتْنة ابن الزّبير سخط عليه عليّ عليه السلام مرّة فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء ، توفي سنة سبع وثمانين .
قوله عليه السلام : «وخِطّة الهالكين» بكسر الخاء ، وهي الأرض التي يختطّها الإنسان ، أي يُعْلِم عليها علامة بالخَطّ ليعمرها ؛ ومنه خطط الكوفة والبصرة . وزخرف البناء : أي ذهّب جدرانه بالزّخرف ، وهو الذهب . ونجّد : فرش المنزل بالوسائد ، والنّجّاد الذي يعالج الفرش والوسائد ويخيطهما ، والتنجيد : التزيين بذلك ، ويجوز أن يريد بقوله : «نجّد» رفع وعلا ، من النَّجْد ، وهو المرتفع من الأرض . واعتقد : جعل لنفسه عُقدة كالضّيْعة أو الذّخيرة من المال الصامت . و «إشخاصهم» مرفوع بالابتداء وخبره الجار المجرور المقدّم ، وهو قوله : «فعلى

1.ابتعت : اشتريت . شاخصا : ذاهبا . خالصا : مجرّدا . وأُزعج : سيق . الضراعة : الذلة . أدرك : لحق . الآفات : جمع آفة وهي الداء الذي يصيب الشيء . المردي : المهلك . المغوي : المضلّ . مبلبل الأجسام : المثير لأدوائها وأسقامها . تبّع وحمير : من ملوك اليمن . اعتقد مالاً : جمعه . والعقدة : الضيعة والعقار . يوم الفصل : القيامة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
144

الشّرْحُ:

موضع قوله : «من أهل مصر» نصب على التمييز ، ويجوز أن يكون حالاً . « وما » يجوز أن تكون مصدرية ، أي أحسن جزاء العاملين ، ويجوز أن تكون بمعنى الذي ، ويكون قد حذف العائد إلى الموصول ، وتقديره أحسن الذي يجزي به العاملين .

3

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام كتبه لشريح بن الحارث قاضيه
روي أن شريح بن الحارث قاضي أمير المؤمنين عليه السلام ، اشترى على عهده داراً بثمانين ديناراً ، فبلغه ذلك ، فاستدعى شريحا ، وقال له :
بَلَغَنِي أَنَّكَ ابْتَعْتَ دَاراً بِثََمانِينَ دِينَاراً ، وَكَتَبْتَ لَهَا كِتَاباً ، وَأَشْهَدْتَ فِيهِ شُهُوداً .
فقال له شريح : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين . قال : فنظر إليه نظر المغضب ثمّ قال له :
يَا شُرَيْحُ ، أَمَا إِنَّهُ سَيَأتِيكَ مَنْ لاَ يَنْظُرُ فِي كِتَابِكَ ، وَلاَ يَسْأ لُكَ عَنْ بَيِّنَتِكَ ، حَتَّى يُخْرِجَكَ مِنْهَا شَاخِصاً ، وَيُسْلِمَكَ إِلَى قَبْرِكَ خَالِصاً . فَانْظُرْ يَا شُرَيْحُ لاَ تَكُونُ ابْتَعْتَ هذِهِ الدَّارَ مِنْ غَيْرِ مَالِكَ ، أَوْ نَقَدْتَ الَّثمَنَ مِنْ غَيْرِ حَلاَلِكَ ! فَإِذَا أَنْتَ قدْ خَسِرْتَ دَارَ الدُّنْيَا وَدَارَ الاْخِرَةِ.
أَمَا إِنَّكَ لَوْ كُنْتَ أَتَيْتَنِي عِنْدَ شِرَائِكَ مَا اشْتَرَيْتَ ، لَكَتَبْتُ لَكَ كِتاباً عَلَى هذِهِ النُّسْخَةِ ، فَلَمْ تَرْغَبْ فِي شِرَاءِ هذِهِ الدَّارِ بِالدِّرْهَم فَمَا فَوْقُ . والنسخَةُ هذِهِ :
«هَذَا مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ذَلِيلٌ ، مِنْ مَيِّتٍ قَدْ أُزْعِجَ لِلرَّحِيلِ ، اشْتَرَى مِنْهُ دَاراً مِنْ دَارِ الْغُرُورِ ، مِنْ جَانِبِ الْفَانِينَ ، وَخِطَّةِ الْهَالِكِينَ . وَتَجْمَعُ هذِهِ الدَّارَ حُدُودٌ أَرْبَعَةٌ :

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123422
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي