163
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

سواك ، ولقد تربَّصْتَ به الدوائر ، وتمنّيت له الأمانيّ ، طمعا فيما ظهر منك ، ودلّ عليهِ فعلُك ، وإنّي لأرجو أن أُلحِقَكَ به على أعظمَ من ذنبهِ ، وأكبر من خطيئتِه .
فأنا ابن عبد المطّلب صاحبُ السّيف ، وإنّ قائمه لفي يدي ، وقد علمتَ من قتلتُ به من صناديد بني عبد شَمْس ، وفراعنة بني سَهْم وجُمح وبني مخزوم ؛ وأيتمتُ أبناءَهم ، وأيَّمت نساءهم ۱ . وأُذكِّرك ما لستَ له ناسيا ؛ يومَ قتلتُ أخاك حنْظلة ، وجررتُ برجْله إلى القَليب ۲ ، وأسرتُ أخاك عمراً ؛ فجعلتُ عنقَه بين ساقيه رباطاً ، وطلبتُك ففررتَ ولك حُصاص ۳ ؛ فلولا أني لا أتبَع فارّا ، لجعلتك ثالثهما ، وأنا أولِي لك باللّه أليّة بَرّة غير فاجرة ؛ لئن جمعتني وإيّاك جوامع الأقدار ، لأتركنّك مثلاً يتمثّل به الناس أبدا ، ولأجعْجِعنّ بك في مناخِك حتّى يحكم اللّه بيني وبينك ، وهو خيرُ الحاكمين .
ولئن أنسأ ۴ اللّه في أجلي قليلاً لأغزِينّك سَرايا المسلمين ، ولأنهدنّ إليك في جحْفل من المهاجرين والأنصار ، ثم لا أَقبَل لك معذرة ولا شفاعة ، ولا أجيبُك إلى طلب وسؤال ، ولترجعنّ إلى تحيُّرك وتردُّدك وتلدُّدك ، فقد شاهدتَ وأبصرتَ ورأيتَ سُحُب الموتِ كيف هطلتْ عليك بصيِّبها ۵
حتى اعتصمت بكتابٍ أنت وأبوك أوّل من كَفر وكذّب بنزُوله . ولقد كنتُ تفرّستُها ، وآذنتْك أنّك فاعِلُها ، وقد مضى منها ما مَضَى ، وانقضى من كَيْدك فيها ما انقضى ، وأنا سائرٌ نحوك على أثر هذا الكتاب ، فاخترْ لنفسك ، وانظرْ لها ، وتداركْها ، فإنّك إن فطرت واستمررْت على غيِّك وغُلَوائك ۶ حتى ينهد إليك عبادُ اللّه ، أُرْتُجَت عليك الأُمور ، ومُنعت أمرا هو اليوم منك مقبول .
يابن حرب ، إنّ لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرّأي ، فلا يطمعنّك

1.أيمت نساءهم ؛ أي تركتهن بلا أزواج .

2.القليب : البئر .

3.الحصاص : شدة العدو .

4.أنسأ اللّه في أجلي ؛ أي أخره قليلاً .

5.الصيب : المطر المنصب .

6.الغلواء : الكبر .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
162

حقّاً ، قاتلُ أخيك وخالِك وجدِّك ؛ شَدْخا يومَ بدر ، وذلك السّيف معي ، وبذلك القلبِ ألقَى عدوّي » .
قولُه عليه السلام «شَدْخاً» ؛ الشّدخ : كَسرُ الشيء الأجْوف ، شَدخْت رأسَه فانشَدَخ ، وهؤلاء الثلاثةُ : حنظلةُ بنُ أبي سُفيان ، والوليد بنُ عتبة ، وأبوه عتبةُ بن ربيعة ، فحنظلة أخوه ، والوليد خالُه ؛ وعتبةُ جدُّه ، وقد تقدَّم ذكرُ قَتْلِه إيّاهم في غَزاةِ بَدْر . والثائر : طالب الثأر . وقوله : «قد علمتَ حيث وقعَ دمُ عثمانَ فاطلبْه من هناك» ، يريد به إن كنتَ تطلُب ثأرَك من عند من أجْلَب وحاصَرَ ، فالّذي فَعَل ذلك طلحةُ والزبير ، فاطلب ثأرَك من بني تميم ومن بني أسَد بن عبدِ العُزّى ، وإن كنت تطلبه ممّن خَذَل فاطلبْه من نَفسِك فإنّك خَذَلْته ، وكنتَ قادراً على أن تَرفِده وتُمِدّه بالرجال ، فخذلتَه وقعدتَ عنه بعد أن استنجَدَك واستغاثَ بك . وتضجّ : تصوِّت . والجاحِدة : المنكرة ، والحائدة : العادلة عن الحقّ .
واعلم أنّ قوله : وكأنّي بجماعتك يدعونَني جَزَعا من السّيف إلى كتاب اللّه تعالى ، إمّا أن يكون فِراسةً نبويّة صادقة ، وهذا عظيم ، وإمّا أن يكون إخبارا عن غَيْب مفصّل ، وهو أعظمُ وأعجب ، وعلى كلا الأمرين فهو غاية العَجَب ، وقد رأيتُ له ذِكرَ هذا المعنى في كتاب غيرِ هذا ، وهو : «أمّا بعدُ ، فما أعجب ما يأتيني منك ، وما أعلَمَني بمنزلتك الّتي أنت إليها صائر ، ونحوها سائر ؛ وليس إبطائي عنكَ إلاّ لوقت أنا به مصدِّق ، وأنتَ به مكذِّب ؛ وكأنِّي أراك وأنتَ تضجّ من الحرب ، وإخوانُك يدعونني خوفاً من السّيف ، إلى كتابٍ هم به كافرون ، وله جاحدون» .
ووقفت له عليه السلام على كتابٍ آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى ، أوّله : «أمّا بعد ، فطالَمَا دعوتَ أنتَ وأولياؤك أولياءُ الشَّيطان الحقَّ أساطير ، ونبذتموه وراء ظهوركم ، وحاولتم إطفاءَه بأفواهكم ، «وَيَأبَى اللّهُ إلاَّ أنْ يُتمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ» 1 . ولَعَمري لينفذنّ العلمُ فيك ، وليتمّنّ النورُ بصِغرك وقماءتك ، ولتخسأنّ طريدا مَدْحورا ، أو قتيلاً مَثْبورا 2 ؛ ولتُجْزَينّ بعَملك حيث لا ناصرَ لك ، ولا مُصرِّخَ 3 عندك . وقد أسهَبْتَ في ذكر عثمان ، ولَعمري ما قَتَله غيرُك ، ولا خَذَله

1.سورة التوبة ۳۲ .

2.مثبوراً : هالكاً ؛ أو مصروفاً عن الخير .

3.المصرخ : المستغيث .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120974
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي