165
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

الرِّمَاحَ كِفَّةً ، وَلاَ تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلاَّ غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً .

الشّرْحُ:

المُعسكَر ، بفتح الكاف : موضعُ العسْكَر ، وحيث ينزِل . الأشراف : الأماكن العالية ، وقُبُلها : ما استقْبَلَك منها ، وضدّه الدُّبر . وسفاح الجبال : أسافلُها حيث يَسفَح منها الماء . وأثناء الأنهار : ما انعَطف منها ، واحدُها ثِنْي . والمعنى أنّه أمرهم أن ينزِلوا مسندين ظهورَهم إلى مكانٍ عالٍ كالهِضاب العَظِيمة ، أو الجبالِ ، أو مُنعطَف الأنهار الّتي تجرِي مجرَى الخنادق على العسكر ليأمنوا بذلك من البيات ، وليأمَنوا أيضا من إتيان العدوِّ لهم من خَلْفِهم ، وقد فسّر ذلك بقوله : كيما يكون لكم رِدْءاً ، والرِّدء : العَوْن ، قال اللّه تعالى : «فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْأً يُصَدِّقُنِي»۱ . ودونَكم مَرَدّا ، أي حاجزا بينكم وبين العدوّ .
ثمَّ أمرَهم بأن يكونَ مُقاتَلتهم ـ بفتح التاء ، وهي مَصدَر «قاتل» ـ من وجهٍ واحدٍ أو اثنين ، أي لا تتفرَّقوا ؛ ولا يكن قتالُكم العدوَّ في جهاتٍ متشعِّبة ، فإنَّ ذلك أدعى إلى الوَهَن ، واجتماعُكم أدعَى إلى الظّفر ، ثم أمرهم أن يجعلوا رقباءَ في صَياصِي الجبال . وصَياصِي الجبال : أعاليها وما جرى مجرَى الحصون منها ، وأصل الصياصي القُرون ، ثم استُعير ذلك للحصون لأنَّه يُمتَنَع بها كما يمتنع ذو القَرْن بقَرْنه . ومناكب الهضاب : أعاليها ؛ لئلاّ يأتيَكم العدوّ إمَّا من حيث تأمَنون ، أو من حيث تخافون .
قوله عليه السلام : «مقدِّمة القوم عُيونُهم» ، المقدِّمة ، بكسر الدال ، وهم الّذين يتقدّمون الجيش ، أصله مقدِّمة القوم ، أي الفرْقة المتقدِّمة . والطّلائع : طائفة من الجيش تُبعَث ليُعلم منها أحوال العدوّ . وقال عليه السلام : المقدِّمة عيون الجَيْش . والطلائع عيون المقدِّمة ، فالطّلائع إذا عُيونُ الجَيْش .
ثم نهاهم عن التفرّق ، وأمَرَهم أن ينزلوا جميعا ويَرحلوا جميعا ، لئلاّ يفْجَأَهم العدوّ بغتة على غير تعبيةٍ واجتماعٍ ، فيَستأصلهم ؛ ثم أمرَهم أن يجعلوا الرِّماحِ كفَّة إذا غشيَهم الليل ، والكاف مكسورة ، أي اجعلوها مُستَدِيرة حوْلكم كالدّائرة ، وكلّ ما استدار كِفّة بالكسر ، نحو كِفّة الميزان ، وكلّ ما استطال كُفّة بالضم نحو : كُفّة الثوب وهي حاشيته ، وكُفة الرّمل ، وهو ما

1.سورة القصص ۳۴ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
164

أهلُ الضلال ، ولا يوبقنّك سفهُ رأي الجهال ، فوالّذي نفسُ عليٍّ بيده لئن برقتْ في وجهك بارقة من ذي الفقار لتُصعَقنّ صعْقةً لا تُفيق منها حتى يُنفخ في الصُور النّفخة الّتي يئست منها «كَمَا يَئِسَ الكُفَّارُ مِنْ أصْحَابِ القُبُورِ» 1 » .
واعلم أن هذه الخُطْبة قد ذكرها نصر بنُ مُزاحم في كتاب «صِفّين» على وجه يقتضي أنَّ ماذكره الرضيُّ رحمه الله منها قد ضمّ إليه بعضَ خطبةٍ أُخرى ، وهذه عادَتُه ؛ لأنّ غَرَضه الْتِقاط الفصيح والبليغ من كلامه .
قلتُ : سألتُ النقيب أبا زيد عن معاوية : هل شهد بدرا مع المشركين ؟ فقال : نَعم شهِدَها ثلاثة من أولاد أبي سفيان : حنْظلة وعَمرو ومُعاوية ، قُتِل أحدهم ، وأُسِر الآخر ، وأَفْلت معاويةُ هاربا على رجْليْه ، فقدِم مكّة ، وقد انتفخَ قَدماه ، وَوَرمتْ ساقاه ، فعالج نفسَه شهرين حتى برأ .

11

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام وصّى بها جيشاً بعثه إلى العدوّفَإِذَا نَزَلتُمْ بِعَدُوّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ ، فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الْأَشْرَافِ ، أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ ، أَوْ اَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ ، كَيما يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً ، وَدُونَكُمْ مَرَدّاً . وَلْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ أَوِ اثْنَيْنِ ، وَاجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ ، وَمَنَاكِبِ الْهِضَابِ ، لِئَـلاَّ يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَةٍ أَوْ أَمْنٍ .
وَاعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ ، وَعُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَـلاَئِعُهُمْ . وَإِيَّاكُمْ وَالتَّفَرُّقَ ؛ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً ، وَإِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا جَمِيعاً ، وَإِذَا غَشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا

1.الممتحنة ۱۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120964
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي