167
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وهما الأبرَدان أيضاً . ووصّاه أن يَرفُق بالنّاس ولا يكلّفهم السيرَ في الحرّ . «وغوِّر بالناس» : انزِل بهم القائلة ، والمَصدَر التّغويرُ ، ويقال للقائلة : الغائرة . «وَرفِّه في السّير» ، أي دَعِ الإبلَ تَردُ رِفْها ، وهو أن ترِد الماءَ كلّ يوم متى شاءت ولا تُرهِقها وتجشِّمها السَّير . ويجوز أن يكون قوله : «ورفِّه في السَّير» ، مِن قولك : رَفَّهْتُ عن الغرِيم ، أي نفّست عنه . قوله عليه السلام : « ولا تسر أول الليل» ، قد وَرَد في ذلك خبرٌ مرفوع ؛ وقد علل أميرُ المؤمنين عليه السلام النهي بقوله : «فإن اللّه تعالى جعله سكنا ، وقدّره مُقاماً لا ظعناً » ، يقول : لما امتنّ اللّه تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه ۱ كره أن يخالفوا ذلك .
ثم أمره عليه السلام بأن يريح في الليل بَدَنه وظَهرَه ، وهي الإبل ، وبنو فلان مُظهرون ، أي لهم ظَهْر يُنقَلون عليه ، كما تقول : منجِبون ، أي لهم نجائب . قوله عليه السلام : «فإذا وقفتَ» ، أي فإذا وقفتَ ثَقَلك ورَحلك لتسير ، فليكن ذلك حين ينبطح السحر . قوله عليه السلام : «حين ينبطح السحر» ، أي حين يتّسع ويمتدّ ، أي لا يكون السحر الأول ، أي ما بين السحر الأول وبين الفَجْر الأول ، وأصل الانبطاح السَّعة ، ومنه الأبطح بمكة ، ومنه البطيحة ، وتبطّح السيل ، أي اتّسع في البطحاء ؛ والفجر انفجر انشقّ .
ثم أمره عليه السلام إذا لقي العدوّ أن يقفَ بين أصحابه وسطا لأنّه الرئيس ، والواجب أن يكون الرئيس في قلب الجيش ، كما أنّ قلب الإنسان في وسط جسده ، ولأنّه إذا كان وسطا كانت نسبته إلى كلّ الجوانب واحدة ، وإذا كان في أحد الطرفين بعد من الطَّرف الآخر ، فربما يختلّ نظامه ويضطرب . ثم نهاه عليه السلام أن يدنو من العدوّ دنوَّ من يريد أن يُنشِب الحربَ ، ونهاه أن يبعدُ منهم بُعْدَ من يهاب الحربَ ، وهي البأس ، قال اللّه تعالى : «وحينَ الْبَأْسِ»۲ ، أي حين الحَرْب ، بل يكون على حالٍ متوسِّطة بين هذين حتى يأتيه الأمر من أمير المؤمنين عليه السلام ؛ لأنّه أعرف بما تقتضيه المصلحة .
ثم قال له : لا يحملنّكم بغضكم لهم على أن تبدؤوهم بالقتال قبل أن تدْعُوهم إلى الطاعة وتعتذروا إليهم ، أي تصيروا ذوي عذر في حربهم . والشَّنْآن : البغض ، بسكون النون وتحريكها .

1.وهو قوله تعالى : «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِراً» يونس : ۶۷ .

2.سورة البقرة ۱۷۷ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
166

كان منه كالحَبل .
ثم نهاهم عن النّوم إلاّ غرارا أو مضمضةً ، وكلا اللّفظتين ما قلَّ من النوم .

12

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام وصَّى بها
معقل بن قيس الرياحيَّ حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له
اتَّقِ اللّهَ الَّذِي لاَ بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ ، وَلامُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ ، وَلاَ تُقَاتِلَنَّ إِلاَّ مَنْ قَاتَلَكَ ، وَسِرِ الْبَرْدَيْنِ ، وَغَوِّرْ بِالنَّاس ، وَرَفِّهْ فِي السَّيْرِ ، وَلاَ تَسِرْ أَوَّلَ اللَّيْلِ ، فَإِنَّ اللّهَ جَعَلَهُ سَكَناً ، وَقَدَّرَهُ مُقَاماً لاَ ظَعْناً ، فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ ، وَرَوِّحْ ظَهْرَكَ . فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ ، أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً ، وَلاَ تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ .
وَلاَ تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ يَهَابُ الْبَأْسَ ، حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي ، وَلاَ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَالاْءِعْذَارِ إِلَيْهِمْ .

الشّرْحُ:

معقِل بن قَيس ، كان من رجال الكُوفة وأبطالِها ، وله رئاسة وقَدَم ، أوفَده عمّار بنُ ياسر إلى عمرَ بن الخطّاب مع الهُرْمُزان لفَتْح تُسْتَر وكان من شيعة عليّ عليه السلام ، وجّهه إلى بني ساقَةَ فقتَل منهم وسَبى ، وحارَب المستَوْردَ بنَ عُلقة الخارجيّ من تميم الرّباب ، فقتَل كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه بدِجْلة .
قوله عليه السلام : «ولا تُقاتلَن إلاّ من قَاتَلك» ، نهى عن البغْي . وسِرِ البَرْدَين : هما الغَداة والعَشِيّ ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120959
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي