205
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

اللّه جلّ ثناؤه مَنْ عطّل الحقوق المؤكّدة ، وركن إلى الأهواء المبتدعة ، وأخلد إلى الضّلالة المحيّرة ؛ ومن العجب أن تصِفَ يا معاويةُ الإحسان ، وتخالف البرهان ، وتنكث الوثائق التي هي للّه عزّ وجل طَلِبة ، وعلى عباده حجّة ، مع نبذ الإسلام ، وتضييع الأحكام ، وطمْس الأعلام ، والجري في الهوى ، والتهوّس ۱ في الرّدى ، فاتق اللّه فيما لديك ، وانظر في حقّه عليك ...» الفصل المذكور في الكتاب .
وفي الخطبة زيادات يسيرة لم يذكرها الرضيّ رحمه الله ، منها :
«وإنّ للناس جماعة يد اللّه عليها ، وغضب اللّه على مَنْ خالفها ، فنفسَك نفسَك قبل حلول رمسِك ، فإنّك إلى اللّه راجع ، وإلى حشره مُهْطِع ۲ وسيبهظُك كربه ، ويحلّ بك غمّه ، في يوم لا يغنى النادمَ ندمُه ، ولا يُقبَل من المعتذِر عُذرهُ ، «يوم لا يُغنِي مَوْلىً عن مولىً شيئا ولا هم يُنْصَرون»۳ » .

31

الأصْلُ:

۰.ومن وصية له عليه السلام للحسن بن علي عليهماالسلام
كتبها إليه بحاضرين عند انصرافه من صفّين :
مِنَ الْوَالِدِ الْفَانِ ، الْمُقِرِّ لِلزَّمَانِ ، الْمُدْبِرِ الْعُمْرِ ، الْمُسْتَسْلِمِ للدَّهْرِ ، الذَّامِّ لِلدُّنْيَا ، السَّاكِنِ مَسَاكِنَ الْمَوْتَى ، الظَّاعِنِ عَنْهَا غَداً .
إِلَى الْمَوْلُودِ الْمُؤَمِّلِ مَا لاَيُدْرَكُ ، السَّالِكِ سَبِيلَ مَنْ قَدْ هَلَكَ ؛ غَرَضِ الْأَسْقَامِ ، وَرَهِينَةِ الْأَيَّامِ ، وَرَمِيَّةِ الْمَصَائِبِ ، وَعَبْدِ الدُّنْيَا ، وَتَاجِرِ الْغُرُورِ ، وَغَرِيمِ الْمَنَايَا ،

1.التهوس في الردى : الوقوع فيه!

2.المهطع : الذي ينظر في ذل وخشوع .

3.سورة الدخان ۴۱ .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
204

وَغَيَّرَ اللّهُ نِعْمَتَهُ ، وَأَحَلَّ بِهِ نِقْمَتَهُ .
فَنَفْسَكَ نَفْسَكَ ! فَقَدْ بَيَّنَ اللّهُ لَكَ سَبِيلَكَ ، وَحَيْثُ تَنَاهَتْ بِكَ أُمُورُكَ ، فَقَدْ أَجْرَيْتَ إِلَى غَايَةِ خُسْرٍ ، وَمَحَلَّةِ كُفْرٍ ، فَإِنَّ نَفْسَكَ قَدْ أَوْلَجَتْكَ شَرّاً ، وَأَقْحَمَتْكَ غَيّاً ، وَأَوْرَدَتْكَ الْمَهَالِكَ ، وَأَوْعَرَتْ عَلَيْكَ الْمَسَالِكَ ۱ .

الشّرْحُ:

قوله : «وغاية مُطّلبة» ، أي مساعفة لطالبها بما يطلبه ، تقول : طلب فلان مِنّي كذا فأطلبتُه : أي أسعفت به . والأكياس : العقلاء . والأنكاس : جمع نِكْس ؛ وهو الدنيء من الرجال . ونكب عنها : عدَل . «وحيث تناهت بك أُمورك» ، الأوْلى ألاّ يكون هذا معطوفا ولا متّصلاً بقوله ، فقد بين اللّه لك سبيلك ، بل يكون كقولهم لمن يأمرونه بالوقوف : حيث أنت ، أي قِفْ حيث أنت ؛ فلا يذكرون الفعل ؛ ومثله قولهم : مكانَك ، أي قف مكانك .
قوله : «فقد أجريت» ، يقال : فلان قد أجرى بكلامه إلى كذا ، أي الغاية التي يقصدها هي كذا ، مأخوذ من إجراء الخيل للمسابقة ، وكذلك قد أجرى بفعله إلى كذا ، أي انتهى به إلى كذا . ويروى : «قد أوْحلتك شرّا» ، أي أورطتك في الوحل . والغَيّ ضدُّ الرشاد . وأقحمتك غيّا : جعلتك مقتحماً له . وأوعرت عليك المسالك : جعلتها وعْرة .
وأوّل هذا الكتاب :
«أمّا بعد ، فقد بلغَنِي كتابُك تذكر مشاغبتي ، وتستقبح موازرتي ، وتزعمني متحيّرا وعن الحقّ مقصِّرا ، فسبحان اللّه ! كيف تستجيز الغيبة ، وتستحسن العضيهة ! إنِّي لم أُشاغب إلاّ في أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، ولم أتجبّر إلاّ على باغ مارق ، أو ملحد منافق ، ولم آخذ في ذلك إلاّ بقول اللّه سبحانه : «لاَ تَجِدُ قَوْما يُؤمِنُونَ باللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أوْ أبْنَاءَهُمْ أو إخْوانَهم»۲ ، وأمّا التّقصير في حق اللّه تعالى فمعاذ اللّه ! وإنّما المقصّر في حقِّ

1.أعلاما : علامات ودلائل . المحجّة : الطريق الواضحة . نهجة : واضحة . خبط : سار بغير هدى . التيه : الضلال . تناهت الأُمور : بلغت غايتها . أولجتك : أدخلتك .

2.سورة المجادلة ۲۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120837
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي