243
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

وَلاَ عِنْدَ الْبَأْسَاءِ فَشِلاً ، وَالسَّلاَمُ ۱ .

الشّرْحُ:

كان معاوية قد بعث إلى مكّة دعاة في السرّ يدعون إلى طاعته ، ويثبّطون العرب عن نصرة أميرِ المؤمنين ، ويوقعون في أنفسهم أنه إمّا قاتلٌ لعثمان أو خاذل ، وإنّ الخلافة لا تصلح فيمن قتل أو خذل ، وينشرون عندهم محاسن معاوية ـ بزعمهم ـ وأخلاقه وسيرته ، فكتب أميرُ المؤمنين عليه السلام هذا الكتاب إلى عامله بمكّة ، ينبّهه على ذلك ليعتمد فيه بما تقتضيه السياسة ، ولم يصرح في هذا الكتاب بماذا يأمره أن يفعل إذا ظفر بهم .
قوله : «عيني بالمغرب» ، أي أصحاب أخباره عند معاوية ، وسمّى الشام مغربا ؛ لأنّه من الأقاليم المغربية . والموسم : الأيام التي يقام فيها الحج . «ويحتلبون الدنيا دَرّها بالدّين» دلالة على ما قلنا : إنّهم كانوا دُعاة يظهرون سَمْت الدين ، وناموس العبادة ، وفيه إبطال قول مَنْ ظنَّ أنْ المراد بذلك السّرايا التي كان معاوية يبعثها ، فتُغِيرُ على أعمال عليّ عليه السلام . ودرَّها منصوب بالبدل من «الدنيا» ، وروي : «الذين يلتمسون الحق بالباطل» ، أي يطلبونه ؛ أي يتبعون معاوية وهو على الباطل التماسا وطلبا للحقّ ، ولا يعلمون أنهم قد ضلوا .
قوله : «وإيّاك وما يعتذرُ منه» من الكلمات الشريفة الجليلة الموقع ، وقد رويت مرفوعة ، وكان يقال : ما شيء أشدّ على الإنسان من حمْل المروءة ، والمروءة ألاّ يعمل الإنسان في غيبة صاحبه ما يُعتذَر منه عند حضوره . «ولا تكن عند النعماء بطراً ، ولا عند البأساء فشلاً» معنىً مستعمل ، قال الشاعر :

فلستُ بمفراح إذا الدّهر سرّنِيولا جازعٌ من صَرْفه المتقلّبِ
ولا أتمنى الشرّ والشرّ تاركيولكن مَتَى أُحمَل على الشّر أركبِ

1.الكُمْه : جمع أكمه ، وهو من ولد أعمى . الدَّر : اللبن . النعماء : الرخاء والسعة . البطر : الشديد الفرح مع ثقة بدوام النعمة .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
242

وأول هذا الكتاب :
«من عبد اللّه عليّ أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد ، فإنّ الدنيا دار تجارة ، وربحها أو خُسرها الآخرة ؛ فالسعيد مَنْ كانت بضاعته فيها الأعمال الصالحة ، ومَنْ رأى الدنيا بعينها ، وقدّرها بقدرها ؛ وإني لأعِظك مع علمي بسابق العلم فيك ممّا لا مردّ له دون نَفاذه ؛ ولكن اللّه تعالى أخذ على العلماء أن يؤدّوا الأمانة ، وأن ينصحوا الغويّ والرشيد ، فاتّق اللّه ولا تكن ممّن لا يرجو للّه وقاراً ، ومَن حقّت عليه كلمة العذاب ؛ فإنّ اللّه بالمرصاد . وإنّ دنياك ستدبر عنك ، وستعود حسرةً عليك ؛ فأقلع عمّا أنت عليه من الغيّ والضلال ، على كبر سنّك ، وفناء عمرك ؛ فإن حالك اليوم كحال الثوب المهيل الذي لا يصلح مِن جانب إلاّ فسد من آخر ، وقد أرديتَ جيلاً من الناس كثيرا ، خدعتهم بغيّك ...» إلى آخر الكتاب .
قال أبو الحسن علي بن محمد المدائني : فكتب إليه معاوية : من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب ، أمّا بعد ؛ فقد وقفتُ على كتابك ، ... الخ .

33

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى قُثَم بن العبّاس وهو عامله على مكّةأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ عَيْنِي بِالْمَغْرِبِ كَتَبَ إِلَيَّ يُعْلِمُنِي أنـّهُ وُجِّهَ إِلَى الْمَوْسِمِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ ، الْعُمْيِ الْقُلُوبِ ، الصُمِّ الْأَسْمَاعِ ، الْكُمْهِ الْأَبْصَارِ ، الَّذِينَ يَلْبِسُونَ الْحَقَ بِالبَاطِلِ ، وَيُطِيعُونَ الَْمخْلُوقَ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ ، وَيَحْتَلِبُونَ الدُّنْيَا دَرَّهَا بِالدِّينِ ، وَيَشْتَرُونَ عَاجِلَهَا بِآجِلِ الْأَبْرَارِ الْمُتَّقِينَ ؛ وَلَنْ يَفُوزَ بِالْخَيْرِ إِلاَّ عَامِلُهُ ، وَلاَ يُجْزَى جَزَاءَ الشَّرِّ إِلاَّ فَاعِلُهُ . فَأَقِمْ عَلَى مَا فِي يَدَيْكَ قِيَامَ الْحَازِمِ الطَّبِيبِ ، وَالنَّاصِحِ اللَّبِيبِ ، التَّابِـعِ لِسُلْطَانِهِ ، الْمُطِيعِ لاِءِمَامِهِ . وَإِيَّاكَ وَمَا يُعْتَذَرُ مِنْهُ ، وَلاَ تَكُنْ عِنْدَ النَّعْمَاءِ بَطِراً ،

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123416
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي