255
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

ظلَمة قريش على عهدِ رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وإن تُعجِزا وتَبقيا بعدُ فاللّه حَسْبكما ، وكفى بانتقامه انتقاما ، وبعقابه عقابا . والسلام» .

40

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطتَ رَبَّكَ ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ ، وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ . بَلَغَنِي أنـّكَ جَرَّدْتَ الْأَرْضَ فأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ ، وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللّهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاس ؛ وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

أخزيْتَ أمانتك : أذللْتها وأهنْتَها . وجرّدت الأرض : قشرتَها ؛ والمعنى أنّه نسبه إلى الخيانة في المال ، وإلى إخراب الضِّياع .

41

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عمالهأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي كُنْتُ أَشْرَكْتُكَ فِي أَمَانَتِي ، وَجَعَلْتُكَ شِعَارِي وَبِطَانَتِي ، وَلَم يَكُن في


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
254

لم يَشربه . ولا خلافَ في أنه سمعَ الغناء وطرِب عليه ، وأعطى وَوصل عليه أيضا .
أمّا قوله : «يشين الكريمَ بمجلسه ، ويسفّه الحليمَ بخلْطته» ، فالأمر كذلك ، فإنه لم يكن في مجلسه إلاّ شتْم بني هاشم وقَذْفُهم ، والتعرّضُ بذكر الإسلام ؛ والطعن عليه ، وإن أظهر الانتماء إليه . وأمّا طلب عمرو فَضْله واتباعه أثره اتباعَ الكلب للأسد فظاهر ، ولم يقل : الثعلب غضّا من قدر عَمرو ، وتشبيها له بما هو أبلغُ في الإهانة والاستخفاف .
ثم قال : «ولو بالحقّ أخذتَ أدركت ما طلبت» ، أي لو قعدتَ عن نصرِه ولم تَشخص إليه ممالئا به على الحقّ لوَصَل إليك من بيت المال قدر كفايتك .
فالأولى أن يقال : معناه لو أخذتَ بالحقّ أدركت ما طلبت من الآخرة .
فإن قلت: إن عَمْراً لم يكن عليّ عليه السلام يَعتقِد أنه من أهل الآخرة ، فكيف يقول له هذا الكلام؟
قلت : لا خَلَل ولا زَلَل في كلامه عليه السلام ؛ لأنّه لو أخذ بالحقّ لكان معتقدا كونَ عليّ عليه السلام على الحقّ باعتقاده صحّة نبوّة رسولِ اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وصحّة التوحيد ، فيصير تقديرُ الكلام : لو بايعتَني معتقدا للزوم بَيْعتي لك لكنتَ في ضِمن ذلك طالبا الثواب ، فكنت تدرِكه في الآخرة .
ثم قال مهدّدا لهما ، ومتوعّدا إياهما : «فإن يُمكِن اللّهُ منك ومن ابن أبي سفيان » ، وأقول : لو ظفر بهما لما كان في غالب ظنّي يقتلهما ، فإنّه كان حليما كريما ، ولكن كان يَحبسهما ليَحسِم بحبسهما مادّة فسادِهما .
ثم قال : «وإن تُعجزا وتبقيا» ، أي وإن لم أستطع أخذكما أو أمُتْ قبلَ ذلك وبقيتُما بعدي فما أمامَكما شرّ لكما من عقوبة الدنيا ؛ لأنّ عذاب الدنيا منقطِع ، وعذاب الآخرة غيرُ منقطع .
وذكر نصرُ بن مزاحم في كتاب «صِفّين» هذا الكتاب بزيادةٍ لم يذكرْها الرّضيّ . قال نصرُ : وكتب عليّ عليه السلام إلى عَمرو بن العاص :
«من عبدِ اللّه عليٍّ أمير المؤمنين إلى الأبتر بن الأبتر عمرو بن العاص بن وائل ، شانئ محمدّ وآلِ محمّد في الجاهليّة والإسلام ، سلامٌ على من اتّبع الهدى ، أمّا بعد ، فإنّك تركتَ مروءتك لامرئ فاسق مهتوك ستره ، يشينُ الكريمَ بمجلسه ، ويسفّه الحليمَ بخلطته ، فصار قلبُك لقلبه تَبَعا ، كما قيل : «وافَقَ شنٌّ طَبَقة» ، فسلَبك دينَك وأمانتكَ ، ودنياك وآخرتَك ، وكان علمُ اللّه بالغا فيك ، فصرت كالذئب يتبع الضّرغام إذا ما الليل دَجَى ، أو أَتى الصبح يلتمس فاضل سؤْره ، وحَوايَا فريسته ، ولكن لا نجاةَ من القَدَر ، ولو بالحقّ أخذتَ لأدركت ما رجوتَ ، وقد رَشد من كان الحقّ قائدَه ، فإن يُمَكِن اللّه منك ومِن ابن آكلة الأكباد ألحقتكما بمن قتله اللّه من

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120948
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي