263
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

يتقلقل إذا حث ظهره واستعجل سيره .

الشّرْحُ:

يستزلّ لبّك ، يطلب زلله وخطأه ، أي يحاول أن تزلّ . واللبّ : العقل . ويستفلّ غَرْبك : يحاول أن يفلّ حدّك ، أي عزمك ، وهذا من باب المجاز . ثم أمَرَه أن يحذره ، وقال : إنه ـ يعني معاوية ـ كالشّيطان يأتي المرءَ من كذا ومن كذا ، وهو مأخوذ من قول اللّه تعالى : «ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهمْ وَلاَ تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ»۱ .
قوله : «ليقتحم غفلته» ، أي ليلجَ ويهجم عليه وهو غافل ؛ جعل اقتحامه إياه اقتحاما للغِرّة نفسها لما كانت غالبةً عليه . ويستلب غرّته ، ليس المعنى باستلابه الغِرّة أن يرفعها ويأخذها ؛ لأنّه لو كان كذلك لصار ذلك الغافل المغتر فاقدا للغفلة والغِرّة ، وكان لبيبا فطنا ، فلا يبقى له سبيل عليه ، وإنما المعنى بقوله : «ويستلب غِرّته» ، ما يعنيه الناس بقولهم : أخذ فلانٌ غفلتي . وفعل كذا ، ومعنى أخذها هنا أخذ ما يستدلّ به على غفلتي وفلتة : أمرٌ وقع من غير تثبت ولا رويّة . ونَزْغَة : كلمة فاسدة ، من نزغات الشيطان ، أي من حركاته القبيحة التي يستفسد بها المكلفين . ولا يثبتُ بها نسب ، ولا يستحقّ بها إرث ؛ لأنّ المقرّ بالزنا لا يلحقه النسب ، ولا يرثه المولود ، لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : «الولد للفراش ، وللعاهر الحجر» .
ورَوَى أحمد بن يحيى البَلاذُريّ قال : تكلّم زياد ـ وهو غلام حَدَث ـ بحضرة عمر كلاماً أعجَب الحاضرين ۲ ، فقال عمرو بن العاص : للّه أبوه ! لو كان قرشيّا لساق العرب بعصاه ؛ فقال أبو سُفْيان : أما واللّه إنّه لقُرشيّ ، ولو عرفتَه لعرفتَ أنّه خير من أهلك ؛ فقال : ومَن أبوه؟ قال : أنا واللّه وضعتُه في رَحِم أمّه ، فقال : فهلاّ تستلحقه ؟ قال : أخاف هذا العيْرَ الجالسَ أن يَخرِق عليّ إهابي . ( يعني به عمر بن الخطاب ) .
وقال الحسن البصريّ : ثلاث كنّ في معاوية لو لم تكن فيه إلاّ واحدة منهنّ لكانت موبقةً : انتزاؤهم على هذه الأُمّة بالسّفهاء حتى ابتزّها أمرها ؛ واستلحاقه زيادا مُراغَمةً لقول

1.سورة الأعراف ۱۷ .

2.هذا المجلس عقد في قضية الشهادة على المغيرة بن شعبة بالزنا ، بعد أن أدى الشهود شهادتهم عليه ، ووصل دور زياد بن أبيه ، قال له واحد من الصحابة : إياك أن تفضح بلسانك واحداً من صحابة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فقرر حينئذٍ كلاماً بليغاً ، أعجب الحاضرين . [معارج نهج البلاغة ، للبيهقي ۷۵۹] .


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
262

ورئيسا ، ويَحرِم المسلمين الذين حازُوه بأنفسهم وسلاحهم ؛ وهذا هو الأمر الّذي كان يُنكِره على عثمان ، وهو إيثارُ أهله وأقاربه بمالِ الفَيء ؛ وقد سبق شرحُ مثل ذلك مستوفىً .

44

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى زياد بن أبيه
وقد بلغه أن معاوية كتب إليه يريد خديعته باستلحاقه :
وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَيْكَ يَسْتَزِلُّ لُبَّكَ ، وَيَسْتَفِلُّ غَرْبَكَ ، فاحْذَرْهُ ، فَإِنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ يَأتِيالْمَرْءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ، لِيَقْتَحِمَ غَفْلَتَهُ ، وَيَسْتَلِبَ غِرَّتَهُ .
وَقَدْ كَانَ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَلْتَةٌ مِنْ حَدِيثِ النَّفْس ، وَنَزْغَةٌ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ ؛ لاَ يَثْبُتُ بِهَا نَسَبٌ ، وَلاَ يُسْتَحَقُّ بَهَا إِرْثٌ ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِهَا كَالْوَاغِلِ الْمُدَفَّعِ ، وَالنَّوْطِ المُذَبْذَبِ .

فلمّا قرأ زياد الكتاب قال : شهد بها وربّ الكعبة ۱ ، ولم تزل في نفسه حتى ادّعاه معاويةُ .
قال الرضي رحمه الله :
قوله عليه السلام : «الوَاغِلُ» : هو الذي يهجم على الشّرْب ليشرب معهم ، وَليس منهم ، فلا يزال مدفّعاً محاجزاً . والنّوْط المُذَبْذَبُ : هو ما يناط برحل الراكب من قُعب أو قَدَحٍ ، أو ما أشبه ذلك ، فهو أبداً

1.قول زياد : (شهد بها وربِّ الكعبة) قول باطل ، لأنّ شهادة الإمام علي عليه السلام هي على كلام أبي سفيان ، هو داخل في نزغات الشيطان وهوى النفس ، وقال : لا يَثبُتُ ولا يقوم بذلك نسب . فكيف يكون هذا الكلام شهادة على إثبات النَّسب ؟ وكيف يكون ردّ عليٍّ على أبي سفيان تحقيقاً لهذا النّسب ؟ [انظر : شرح النهج للبيهقي ، ص ۷۶۰] .

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 123371
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي