281
تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2

تنكصوا عن دعوة ، أي لا تقاعسُوا عن الجهاد إذا دعوتُكم إليه ، ولا تفرّطوا في صلاح ، أي إذا أمكنتْكم فرصة ، أو رأيتم مصلحة في حرب العدوّ أو حماية الثّغر ، فلا تفرّطوا فيها فتفوت . وأن تخوضوا الغمراتِ إلى الحقّ ، أي تكابدوا المشاقّ العظيمة ؛ ولا يهولنّكم خوضُها إلى الحقّ .
ثم توعّدهم إن لم يفعلوا ذلك ، ثم قال : فخذوا هذا من أمرائكم ؛ ليس يعني به أنّ على هؤلاء أصحاب المسالح أمراء من قِبَله عليه السلام كالواسطة بينهم وبينه ، بل من أمرائكم ؛ يعني منّي وممّن يقوم في الخلافة مقامي بعدي ؛ لأنّه لو كان الغرض هو الأوّل لما كان محلهم عنده أن يقول : «ألاّ أحتجز دونكم بسرِّ ولا أطوى دونكم أمراً» ؛ لأنّ محلّ من كان بتلك الصفة دون هذا .

51

الأصْلُ:

۰.ومن كتاب له عليه السلام إلى عماله على الخراجمِنْ عَبْدِ اللّهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى أَصْحَابِ الْخَرَاجِ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَحْذَرْ مَا هُوَ سَائِرٌ إِلَيْهِ لَمْ يُقَدِّمْ لِنَفْسِهِ مَا يُحْرِزُهَا . وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا كُلِّفْتُمْ يَسِيرٌ ، وَأَنَّ ثَوَابَهُ كَثِيرٌ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيَما نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ عِقَابٌ يُخَافُ ، لَكَانَ فِي ثَوَابِ اجْتِنَابِهِ مَالاَ عُذْرَ فِي تَرْكِ طَلَبِهِ ، فَأَنْصِفُوا النَّاسَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ، وَاصْبِرُوا لِحَوَائِجِهِمْ ، فَإِنَّكُمْ خُزَّانُ الرَّعِيَّةِ ، وَوُكَلاَءُ الْأُمَّةِ ، وَسُفَرَاءُ الأَئِمَّةِ ، وَلاَ تُحْشِمُوا أَحَداً عَنْ حَاجَتِهِ ، وَلاَ تَحْبِسُوهُ عَنْ طَلِبَتِهِ ، وَلاَ تَبِيعُنَّ لِلنَّاس فِي الْخَرَاجِ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلاَ صَيْفٍ ، وَلاَ دَابَّةً يَعْتَمِلُونَ عَلَيْهَا ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ تَضْرِبُنَّ أَحَداً سَوْطاً لِمَكَانِ دِرْهَـمٍ ، وَلاَ تَمَسُّنَّ مَالَ أَحَدٍ مِنَ النَّاس ، مُصَلٍّ وَلاَ مُعَاهَدٍ ، إِلاَّ أَنْ


تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
280

أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ حَقّاً عَلَى الْوَالِي أن لا يُغَيِّرَهُ عَلَى رَعِيَّتِهِ فَضْلٌ نَالَهُ ، وَلاَ طَوْلٌ خُصَّ بِهِ ، وَأَنْ يَزِيدَهُ مَا قَسَمَ اللّهُ لَهُ مِنْ نِعَمِهِ دُنُوّاً مِنْ عِبَادِهِ ، وَعَطْفاً عَلَى إِخْوَانِهِ .
أَلاَ وَإِنَّ لَكُمْ عِنْدِي أَلاَّ أَحْتَجِزَ دُونَكُمْ سِرّاً إِلاَّ فِي حَرْبٍ ، وَلاَ أَطْوِيَ دُونَكُمْ أَمْراً إِلاَّ فِي حُكْمٍ ، وَلاَ أُؤخِّرَ لَكُمْ حَقّاً عَنْ مَحَلِّهِ ، وَلاَ أَقِفَ بِهِ دُونَ مَقْطَعِهِ ، وَأَنْ تُكُونُوا عِنِدِي فِي الْحَقِّ سَوَاءً ، فَإِذَا فَعَلْتُ ذلِكَ وَجَبَتْ للّهِ عَلَيْكُمْ النِّعْمَةُ ، وَلِي عَلَيْكُمْ الطَّاعَةُ ، وَأَلاَّ تَنْكُصُوا عَنْ دَعْوَةٍ ، وَلاَ تُفَرِّطُوا فِي صَلاَحٍ ، وَأَنْ تَخُوضُوا الْغَمَرَاتِ إِلَى الْحَقِّ ، فَإِنْ أَنْتُمْ لَمْ تَسْتَقِيمُوا لِي عَلَى ذلِكَ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَهْوَنَ عَلَيَّ مِمَّنْ اعْوَجَّ مِنْكُمْ ، ثُمَّ أُعْظِمُ لَهُ الْعُقُوبَةَ ، وَلاَ يَجِدُ عِنْدِي فِيهَا رُخْصَةً .
فَخُذُوا هذَا مِنْ أُمَرَائِكُمْ ، وَأَعْطُوهُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ مَا يُصْلِحُ اللّهُ بهِ أَمْرَكُمْ . وَالسَّلاَمُ .

الشّرْحُ:

أصحابُ المسَالح : جماعات تكون بالثّغر يحمون البَيْضة ، والمسْلَحة هي الثّغر ، كالمرغبة ، قال : يجب على الوالي ألاَّ يتطاول على الرعيّة بولايته ، وما خُصّ به عليهم من الطَّوْل وهو الفضل ؛ وأن تكون تلك الزيادة التي أُعطِيها سببا لزيادة دنوّه من الرعيّة وحنوّه عليهم . ثم قال : «لكم عندي ألاَّ أحتجِز دونكم بسرٍّ» ، أي لا أستتر . قال : «إلاَّ في حرب» ، وذلك لأنّ الحرب يحمَد فيها طيّ الأسرار ، والحرب خُدعة . «ولا أطوِي دونكم أمراً إلاَّ في حُكْم» ، أي أظهركم على كلِّ ما في نفسي مما يحسن أن أظهرَكم عليه ؛ فأمّا أحكام الشريعة والقضاء على أحَد الخَصْمين فإنّي لا أعلمكم به قبل وقوعه ؛ كيْلا تفسد القضيّة بأن يحتال ذلك الشخص لصرْف الحكْم عنه .
ثم ذكر أنّه لا يؤخّر لهم حقا عن محلّه ، يعني العطاء ، وأنّه لا يقف دون مقطعه ، والحق هاهنا غير العطاء ، بل الحكم ، أي متى تعيّن الحكْم حكَمْتُ به وقطعت ولا أقف ، ولا أتحبَّس .
ولمّا استوفى ما شرط لهم قال : فإذا أنا وَفّيت بما شرطت على نفسي وجبتْ للّه عليكم النّعمة ولي عليكم الطاعة . ثم أخذ في الاشتراط عليهم كما شرط لهم ، فقال : ولي عليكم ألاَّ

  • نام منبع :
    تهذيب شرح نهج البلاغة لإبن أبي الحديد المعتزلي ج2
    المجلدات :
    2
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1426 ق / 1384 ش
    الطبعة :
    الاولي
عدد المشاهدين : 120960
الصفحه من 800
طباعه  ارسل الي